هرولة النظام المغربي نحو التطبيع… خسائر بلا مكاسب

في خطوة كشفت عن حقيقة المآلات الكارثية لسياسات التطبيع، جاء قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوقف تمويل برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ليسدل الستار على وهم الاستفادة الاقتصادية والسياسية الذي روجت له بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها المغرب، مقابل تعزيز العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
رهان فاشل… المغرب على رأس المتضررين
لطالما روج النظام المغربي لتطبيعه مع إسرائيل على أنه مدخل لتعزيز الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وضمان دعم سياسي أمريكي دائم. إلا أن الوثائق المسربة كشفت أن المغرب كان الدولة الأكثر تضررًا من وقف التمويل الأمريكي، حيث فقدت المشاريع المشتركة التي كان يُعوّل عليها في قطاعات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاستدامة البيئية أكثر من 32 مليار دولار، فضلاً عن توقف تمويل برامج قانون الشراكة الشرق أوسطية، الذي كان يهدف إلى تعزيز التعاون بين الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية.
وهنا يبرز السؤال: إذا كان النظام المغربي قد هرول إلى التطبيع تحت وعود بجني مكاسب اقتصادية، فأين هي هذه المكاسب اليوم؟
التطبيع بلا مقابل: ماذا جنى المغرب؟
على أرض الواقع، لم يحصد المغرب من التطبيع سوى ضغوط متزايدة على سيادته الداخلية، وسخط شعبي واسع، ووعود واهية لم تتحقق. فمنذ توقيع اتفاق التطبيع عام 2020، لم تتحقق الوعود الاقتصادية والاستثمارية التي كان النظام المغربي يسوّق لها، بل جاء قرار واشنطن بوقف التمويل ليؤكد أن المغرب كان مجرد أداة في مشروع أمريكي-إسرائيلي، دون أن يكون له أي نفوذ حقيقي أو مكتسبات دائمة.
وعلى النقيض، أدى التطبيع إلى تدهور علاقات المغرب مع الشعوب العربية والإسلامية، كما زاد من تآكل شرعيته أمام مواطنيه الذين يرون في القضية الفلسطينية قضية وطنية مقدسة لا يمكن التفريط فيها تحت أي مبرر.
لماذا وقع الاختيار على المغرب ليكون الأكثر تضررًا؟
يعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها:
- الارتهان الكامل للقرار الأمريكي: لم يكن للنظام المغربي سياسة مستقلة في التطبيع، بل كان يسير وفق إملاءات واشنطن، وهو ما جعله يتلقى الضربة الأقوى عند تغيير الاستراتيجية الأمريكية.
- انخراط واسع في مشاريع التطبيع: المغرب لم يكتفِ فقط بإقامة علاقات مع الاحتلال، بل سارع إلى اتفاقيات أمنية وعسكرية وتقنية وزراعية، مما جعله أحد أكبر المستفيدين من التمويل الأمريكي في هذا المجال.
- ضعف النفوذ السياسي في واشنطن: على عكس دول مثل مصر والأردن، التي تمتلك لوبيات مؤثرة في دوائر صنع القرار الأمريكي، لم يستطع النظام المغربي حماية مصالحه عندما قررت إدارة ترامب إلغاء البرامج.
الرهان على إسرائيل… وهم اقتصادي وخسارة سياسية
بعيدًا عن المبالغات الإعلامية التي روجت لها الدوائر الرسمية، لم تؤدِ العلاقات المغربية الإسرائيلية إلى أي اختراق اقتصادي حقيقي، بل ظلت المكاسب تصب في مصلحة الاحتلال فقط. فقد تمكنت إسرائيل من التغلغل في القطاعات الحساسة بالمغرب، لا سيما الأمن والتكنولوجيا، دون أن تقدم في المقابل أي دعم اقتصادي أو استثمارات حقيقية توازي حجم التنازلات التي قدمها النظام المغربي.
وفي الوقت نفسه، وجد المغرب نفسه في مواجهة أزمات داخلية خانقة، أبرزها ارتفاع التضخم، وغياب التنمية في المناطق الفقيرة، وتصاعد الغضب الشعبي من توجهات الحكومة. وبدلاً من تحقيق نهضة اقتصادية عبر التطبيع، بات النظام المغربي خاسرًا على الجبهتين: سياسيًا في الداخل، واقتصاديًا في الخارج.
التطبيع ليس حلًا… والدروس واضحة
ما حدث مع المغرب يمثل درسًا لبقية الأنظمة العربية التي تراهن على الاحتلال الإسرائيلي كطريق للنفوذ أو الازدهار الاقتصادي. فالحقيقة التي تؤكدها الوقائع هي أن إسرائيل ليست شريكًا موثوقًا، وأن الدعم الأمريكي غير مضمون، وأن ثمن التطبيع دائمًا أكبر من أي مكاسب محتملة.
المغرب الذي سارع إلى فتح أبوابه أمام الإسرائيليين، وجد نفسه اليوم خاسرًا بلا مكاسب، ومرهونًا بقرارات لا يملك التحكم فيها. وفي ظل هذا المشهد، يبقى الرهان الحقيقي ليس في الانخراط في مشاريع وهمية مع الاحتلال، وإنما في تعزيز التنمية الوطنية، وبناء علاقات قائمة على استقلال القرار السياسي والاقتصادي، والتمسك بالقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.