منع التظاهر في الجزائر دعمًا لفلسطين بين الحسابات الداخلية والضغوط الخارجية

في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين، تزايدت التحركات الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية في العديد من الدول العربية والإسلامية. إلا أن السلطات الجزائرية اتخذت موقفًا مفاجئًا بمنع التظاهر أمام السفارة الأمريكية في الجزائر، حيث مُنع علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، من مغادرة منزله للاحتجاج على الدعم الأمريكي لإسرائيل. أثار هذا القرار تساؤلات حول أسباب تضييق الحراك الشعبي رغم الموقف الرسمي الجزائري الرافض للعدوان الإسرائيلي، مما يعكس تناقضًا بين السياسة الداخلية والخارجية للجزائر في التعامل مع القضية الفلسطينية.

أبعاد الموقف الجزائري.. بين دعم القضية وكبح الاحتجاجات

🔹 موقف الجزائر الرسمي:

لطالما تبنت الجزائر موقفًا صارمًا ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكدت مرارًا رفضها للتطبيع ودعت إلى مساءلة إسرائيل عن جرائمها في غزة. وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي، شدد ممثل الجزائر عمار بن جامع على ضرورة محاسبة الاحتلال على استخدام التجويع كأداة حرب، داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه ما وصفه بـالإبادة الجماعية في غزة.

🔹 قمع الاحتجاجات الشعبية:

رغم الخطاب الرسمي الداعم لفلسطين، فإن السلطات الجزائرية منعت التظاهرات الشعبية المؤيدة لغزة، وهو ما أكده علي بلحاج الذي واجه إقامة جبرية غير معلنة لمنعه من التوجه إلى السفارة الأمريكية. هذه الممارسة أثارت تساؤلات حول أسباب منع التظاهر، خاصة أن الموقف الشعبي يتماهى مع موقف الدولة في دعم الفلسطينيين.

تحليل الأسباب المحتملة لمنع التظاهر

🔸 ١- تجنب إحراج الحكومة في علاقتها مع القوى الدولية

  • على الرغم من موقفها الرافض لإسرائيل، تحاول الجزائر الموازنة بين سيادتها ومصالحها الدبلوماسية.
  • أي تصعيد شعبي ضد السفارة الأمريكية قد يُعتبر إشارة سلبية في العلاقات بين الجزائر وواشنطن، خاصة في ظل التوترات الإقليمية.

🔸 ٢- الحذر من عودة الحراك الشعبي الداخلي

  • منذ الحراك الجزائري عام 2019، تتجنب الحكومة أي تحركات شعبية واسعة قد تتحول إلى حالة احتجاج أوسع ضد السلطة.
  • منع الاحتجاجات، حتى لو كانت موجهة ضد إسرائيل، قد يكون خطوة استباقية لمنع أي تصاعد للمطالب السياسية الداخلية.

🔸 ٣- السيطرة على المجال العام ومنع عودة النشاط السياسي للإسلاميين

  • الحكومة الجزائرية لطالما فرضت قيودًا مشددة على نشاط الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تم حظرها منذ التسعينيات.
  • السماح لعلي بلحاج بالتظاهر قد يُعيد الزخم إلى التيار الإسلامي في الجزائر، وهو ما تسعى السلطات لتجنبه.

التداعيات السياسية والاجتماعية للقرار

💢 تصاعد الانتقادات الداخلية

  • يواجه قرار منع التظاهر انتقادات حادة من الأوساط الشعبية، حيث يرى كثيرون أن الدولة تكيل بمكيالين بين الخطاب الرسمي المؤيد لفلسطين والسياسات الداخلية التي تمنع التضامن الشعبي.

💢 تراجع الثقة في الموقف الرسمي

  • قد يؤدي هذا التناقض إلى تشكيك الشارع الجزائري في جدية دعم الحكومة لفلسطين، خاصة إذا استمر منع الاحتجاجات بينما تستمر بيانات التنديد الرسمية.

💢 إحراج الجزائر أمام الرأي العام العربي والإسلامي

  • موقف الجزائر الرسمي المعارض للتطبيع وضعها في واجهة الدول الأكثر دعمًا لفلسطين، لكن منع التظاهرات يثير تساؤلات حول مدى التزامها الحقيقي بالدفاع عن القضية الفلسطينية.

الموقف الدولي وتأثيره على سياسات الجزائر

في سياق أوسع، فإن الضغوط الدولية تلعب دورًا في رسم السياسات الداخلية للدول العربية تجاه الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين:

🔹 الولايات المتحدة تمارس نفوذها على العديد من الحكومات لمنع أي تصعيد شعبي قد يُحرج إسرائيل وحلفاءها.
🔹 الموجة القمعية ضد الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ليست محصورة في الجزائر، بل شهدتها دول أخرى تخشى تحول الاحتجاجات إلى مظاهرات سياسية معارضة للحكومات.
🔹 التحركات الشعبية ما زالت تشكل عامل ضغط عالميًا، وقد تدفع بعض الحكومات إلى تخفيف القمع خشية تصاعد الغضب الشعبي.

السيناريوهات المحتملة

1️⃣ تصعيد شعبي رغم المنع

إذا استمر العدوان على غزة وتزايد الغضب الشعبي، فقد تشهد الجزائر موجات احتجاج جديدة رغم التضييق، مما قد يضع الحكومة أمام خيار التعامل بالقوة أو تقديم تنازلات.

2️⃣ تعديل في سياسات الدولة

لمواجهة الانتقادات، قد تتجه الجزائر إلى إجراءات رمزية مثل تعزيز الدعم الإنساني لغزة، أو تصعيد خطابها الدبلوماسي ضد الاحتلال، دون السماح بمظاهرات واسعة.

3️⃣ استمرار الحظر الأمني

في حال نجاح الدولة في احتواء الغضب الشعبي، قد تستمر في منع أي نشاط احتجاجي منظم، مع الإبقاء على الخطاب الرسمي الداعم لفلسطين لتجنب الإحراج الدولي.

تناقضات الموقف الجزائري وتحديات المرحلة القادمة

يبقى منع التظاهر في الجزائر مؤشرًا على حساسية الدولة تجاه أي تحركات شعبية، حتى لو كانت داعمة للقضية الفلسطينية. وبينما تحاول الجزائر لعب دور الداعم القوي لفلسطين دوليًا، فإن التضييق على النشاط الشعبي يكشف عن حسابات داخلية معقدة تتعلق بالحفاظ على استقرار النظام وتجنب أي تصعيد داخلي غير متوقع.

🚨 هل يمكن للحكومة الجزائرية الاستمرار في هذا النهج دون أن تواجه تصاعدًا في الاحتجاجات؟
🚨 وهل ستنجح في الموازنة بين دعم فلسطين وكبح النشاط الشعبي؟

هذه الأسئلة تبقى مفتوحة، في ظل مشهد إقليمي متغير، حيث أصبحت فلسطين بوصلة التحركات الشعبية والسياسية في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى