يستبدل قوما غيركم.. دول أمريكا اللاتينية تدافع عن المقاومة الفلسطينية بالأمم المتحدة
رفضت كل من كوبا وبوليفيا وفنزويلا والأرجنتين والمكسيك أي إدانة لحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع. وإذا كانت أغلب دول العالم قد صوتت بالأمم المتحدة لصالح التحقيق ضد إسرائيل، فإنها في الوقت نفسه صوتت على التحقيق أيضا في صواريخ قطاع غزة التي استهدفت مستوطنات الاحتلال، وهنا يتجلى الموقف اللاتيني اللافت، حيث رفضت كل الدول اللاتينية أي إدانة للفلسطينيين، وأكدت في كلمات متحدثيها أمام الأمم المتحدة أن “الحركات المسلحة في القطاع” كانت تمارس حقا طبيعيا في الدفاع عن النفس.
وتمثل قضية فلسطين قضية أخلاقية راسخة في السياسة اللاتينية الخارجية، ولا يختلف في ذلك كثيرا كون الحكومة يسارية أو يمينة، وإن كان تأكيد اليساريين على هذا الحق واضحا تماما. لكن الأكيد أنه إذا كان تصويت كوبا وفنزويلا وبوليفيا ذات الحكم الاشتراكي لصالح فلسطين متوقعا، فإن دولا مثل المكسيك (يسار الوسط)، والأرجنتين (يمين الوسط) صوتت أيضا ضد إسرائيل وأيدت الحق الفلسطيني.
وبشكل عام، تم اتخاذ القرار في جلسة عاجلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بدعوة من المفوضة السامية، ميشيل باشيليت، التي اعتبرت أن هجمات كيان إسرائيل على قطاع غزة قد تكون جرائم حرب، فصوتت 24 دولة لصالح إنشاء لجنة دولية للتحقيق في ما حدث منذ 13 أبريل الماضي بالقطاع، وكان هناك تسعة أصوات ضد القرار، وامتناع 14 دولة عن التصويت، فيما أيدت بقية الدول الحاضرة القرار.
ومن بين كل دول أمريكا الجنوبية، جاء التصويت جماعيا لصالح فلسطين، فيما عدا البرازيل التي امتنعت عن التصويت، والأوروغواي التي شكلت صدمة كبيرة بكسرها تقليدا ثابتا في سياستها الخارجية استمر منذ 54 عاما لم تصوت فيها الأروغواي مطلقا ضد فلسطين في أي محفل دولي، بينما صوتت هذه المرة لصالح إسرائيل، لتكون بذلك البلد اللاتيني الوحيد الذي أقدم على تلك الخطوة الصادمة.
البرازيل، بقرار امتناعها عن التصويت، مثلت خذلانا لإسرائيل أكثر منه لفلسطين، فالرئيس البرازيلي اليميني المتطرف جاير بولسونارو هو الصديق الشخصي المقرب للسفير الاسرائيلي في بلاده، ويحضر معه المناسبات الخاصة ويشاركه مشاهدة مباريات كرة القدم والألعاب الرياضية، ولطالما انتظرت دولة الاحتلال من البرازيل النصرة منذ صعود الحكم اليميني فيها، لكنها لم تحصل عليه ولا مرة، حتى عند إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية في دولة الاحتلال إلى القدس.
وإبان إعلان ترامب، خرج الرئيس البرازيلي ليعلن قرب اتخاذ بلاده القرار نفسه أسوة بالجارة اللاتينية الباراغواي التي نقلت سفارتها للقدس لتكون بذلك الدولة اللاتينية الوحيدة التي تقدم على هذه الخطوة، لكن سرعان ما خرجت تظاهرات في الباراغواي أجبرت الحكومة على سحب القرار وإعلان إعادة سفارتها إلى تل أبيب، وهو الإعلان الذي ردت عليه إسرائيل بإغلاق سفارتها في باراغواي بأمر من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأمام الموقف الشعبي الباراغواني والبرازيلي، اضطرت حكومة البرازيل للتراجع عن عزمها نقل سفارة البرازيل إلى القدس، لتعلن فقط مجرد افتتاح “بعثة تجارية” في القدس لتعزيز التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار، ليكون جزءا من سفارتها في إسرائيل، فيما بدا واضحا أنه تراجع عن إشارات سابقة إلى أنها ستحذو حذو الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى المدينة.
أما الأروغواي، التي صوتت لصالح إسرائيل، فإنه يجب الإشارة إلى أن البرلمان الأروغواني رفض موقف الحكومة، ودعا رئيس الحكومة لجلسة استدعاء -سيتم عقدها الأسبوع المقبل- لتفسير تجرأ الحكومة على تغيير أحد أهم ثوابت السياسية الخارجية في البلاد، حيث ظلت البلاد طوعية لحكم يساري استمر لمدة 15 عاما، ولم تخرج منه سوى بالانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدت خسارة مرشح اليسار دانيال مارتينيز أمام اليميني لاكاليي بو الذي يقترب كثيرا من الرئيس البرازيلي واليمين المتطرف، وإن كان يعلن كثيرا كونه من يمين الوسط.
ويدل ردة الفعل البرلمانية، وكذلك بيانات صادرة عن حركات المعارضة الأوروغوانية لرفض الخطوة الحكومية- على أن هذا الموقف لا يزيد عن كونه موقفا طارئا لصعود حكومة يمينية متطرفة لأسباب اقتصادية، بينما لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال تراجعا في دعم الحق الفلسطيني شعبيا في الأروغواي التي تضم أكثر من 5,000 أوروغواي من أصل فلسطيني، يعيش معظمهم في تشوي على الحدود مع البرازيل، وآخرون في ريفيرا.