نصير ياسين – ناس ديلي: الوجه النّاعم للتّطبيع

ناس ديلي: الوجه النّاعم للتّطبيع

أن تُولد فلسطينيّا شريفا في بلدة عرابة في الجليل الأعلى، فتتنكّر لأصلك، وتتصهْين، ثمّ تروّج للتّطبيع مع الكيان الغاصب القائم على الإجرام والتطهير العرقي، ثمّ تصوّر الصراع مع العدوّ الإسرائيلي وكأنّه صراع بين طرفين متكافئي القوة، فأنت كما يقول المغاربة “مَا يُنْكِرْ في أَصْلُه كَانْ الكَلْبْ”.

“نصير ياسين” (28 سنة)، شابّ من فلسطينيّي أراضي 48، مؤسّس برنامج “ناس ديلي”، ذي الانتشار الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ مشروعه بمظهر المحبّ للإنسانيّة والمناهض للتطرّف وللكراهية والدّاعي لحوار الثّقافات والحضارات والأديان، ثمّ نصّب نفسه نصيرا للتعايش السلمي بين اليهود والعرب، ليتحوّل بعد ذلك إلى بوق للتّطبيع من خلال الترويج للسّرديّة الإسرائيلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجميل صورة الاحتلال والتّبرير لجرائمه.

ناس ديلي والتطبيع الناعم

ويقول “ناس” أنّه اختار “قبول حدود إسرائيل والحدود الجديدة لفلسطين” مبيّنا أنّه “يوجد في الحياة أمور أهمّ لنركّز عليها بدلاً من الخلاف على اسم قطعة من الأرض” ومشدّدا أنّ “بعض الفلسطينيّين غادروا قراهم، وتعرض بعضهم للقتل في حين بقي معظمهم في أراضيه”. بهذه السّطحية الشّديدة يروّج “ناس ديلي” للنّكبة الفلسطينيّة، بهذا الأسلوب الوضيع يروَّج لليوم الأكثر بؤسا ودمويّة، للمجازر البشعة التي اقترفتها العصابات الصّهيونيّة، لتدمير مئات القرى الفلسطينية، لذبح الآلاف من الفلسطينيّين، لتهجير الملايين منهم، لتوزّعهم على مخيّمات اللّجوء حول العالم، وبداية “القضيّة الفلسطينيّة”.

ولم نره يوما يزور مخيّمات البؤس التي يسكنها الفلسطينّيون، ولم نره يسلط الضّوء على قضاياهم العاجلة، ولم نسمع له تبنّيا لمآسيهم، ولم يستغلّ نفوذه لإيصال صوتهم، ولم تَجُبْ كمراته قراهم، ولم تلتقط عدساته مظاهر فقرهم وخصاصتهم، ولم تساهم أمواله في تحريك اقتصادهم، ولم يصوّر للعالم أصالتهم، وهو الفلسطينيّ بن الفلسطينيّ! نعم! الأقربون طعناتهم أخطر، فهي تأتي من مسافات قصيرة.

بخبث شديد ودهاء بالغ، يسعى “ناس ديلي” إلى دمغجة عقل المشاهد العربي والمسلم، والتّأثير على مواقفه، واختراق وعي الشّعوب العربية والإسلاميّة المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينيّة، وتزييف الحقائق، والتنكّر لدماء الشهداء، والتسويق للخيانة، وتجميل الجّلاد وتحميل الفلسطينيّين مسؤولية الصّراع لعدم قبولهم بـــ”السلام الإسرائيلي ــ الأمريكي” و”صفعة القرن”.

وبعد أيّام من التّوقيع على اتّفاق العار بين أبو ظبي وتلّ أبيب، أعلن نصير ياسين عن إطلاق نسخة جديدة من برنامجه تهدف لتدريب 80 من صانعي المحتوى العربي؛ برنامج تحت مسمّى “ناس ديلي القادم”، يضمّ إسرائيليين في طاقم الإشراف والتدريب، يترأّسه الإسرائيلي “جوناتان بليك”، وتموّله أكاديميّة “نيو ميديا” الإماراتية التي أسّسها محمد بن راشد آل مكتوم في حزيران/ يونيو 2020؛ سلاح ناعم يستخدمه العدوّ لتقويض نضالات الشّعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة والغير قابلة للمساومة، وأهمها حقّ العودة وتقرير المصير.

عشراتٌ من صنّاع المحتوى في الوطن العربي رفضوا الانخراط في هذا المشروع التّطبيعي المموّل إماراتيّا واعتبروه وصمة عار على جبين المنضميّن إليه، في الوقت الذي حذّرت فيه العديد من المنظّمات وعلى رأسها حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي “بي دي أس” (BDS) من تداعيات هذا البرنامج ودعت كافة المشاركين إلى الاضطلاع بمسؤوليتهم الأخلاقيّة والمهنيّة ــ كمؤثرين وصنّاع محتوى ــ والانسحاب منه. ولم تثن دعوات المقاطعة “ناس ديلي” عن الغوص في وحل التّطبيع، ولم تحطّ من عزيمته على تبييض جرائم الاحتلال والأبارتهايد، فصدق كلّ الصّدق من قال “إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت”.

اقرأ أيضًا: مغني إماراتي مغمور.. يطبع مع الاحتلال الإسرائيلي أملاً في الشهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى