أميركا تدفع لبنان نحو التطبيع: قراءة تحليلية في الدور الأميركي والضغوط الإقليمية

تشهد الساحة اللبنانية تحولات دبلوماسية خطيرة، مع تكثيف الجهود الأميركية لدفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تحت غطاء البحث في قضايا عالقة مثل الأسرى اللبنانيين وترسيم الحدود البرية. هذه التطورات تأتي في وقت حساس، حيث تسعى واشنطن إلى فرض واقع جديد في المنطقة، يواكب سياسات التطبيع التي شملت دولًا عربية أخرى.
🔹 التحركات الأميركية: مغازلة بيروت بمسمى “الفرق الدبلوماسية”
التوجه الأميركي الجديد، الذي تقوده السفيرة ليزا جونسون والمبعوثة مورغان أورتاغوس، يهدف إلى تغيير طبيعة المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية عبر تشكيل “فرق عمل دبلوماسية”. هذه الخطوة تعني تحييد الدور العسكري والتقني في مناقشة القضايا الخلافية، واستبداله بمسار سياسي، ما يضع لبنان أمام واقع تفاوضي جديد يمهد لإدراجه في إطار اتفاقيات التطبيع الإقليمية.
🔸 لماذا تسعى أميركا لتجاوز لجنة الإشراف على القرار 1701؟
لجنة الإشراف، التي تعمل على مراقبة تنفيذ القرار الدولي، تضم في مهامها الأساسية ضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية ومعالجة ملف الأسرى والخروقات الأمنية. لكن واشنطن، وفق تحليل لمصادر دبلوماسية، تسعى لتفكيك هذه اللجنة واستبدالها بآلية تفاوضية جديدة تجعل من الملفات الأمنية والعسكرية قضايا سياسية قابلة للأخذ والرد، بدلًا من تطبيقها كحقوق لبنانية غير قابلة للتفاوض.
🔸 هل لبنان مستعد للتفاوض؟
المسؤولون اللبنانيون الذين تواصلت معهم السفيرة الأميركية سُئلوا بصراحة عن موقفهم من التطبيع، ما يعكس أن هناك خطة واضحة لجرّ بيروت إلى طاولة المفاوضات. من بين هؤلاء، رئيس الجيش جوزيف عون، الذي فضّل عدم إبداء موقف علني، ورئيس الحكومة نواف سلام، الذي ينفي تلقيه أي طرح رسمي حول التطبيع. لكن اللافت أن السفيرة جونسون لم تكتفِ بالتلميح، بل نقلت رسائل صريحة بأن لبنان عليه الاستعداد للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل، في ظل ما وصفته بـ “إضعاف حزب الله وعدم قدرته على التعطيل”.
🔹 المخاطر المحتملة: فخ التفاوض والتطبيع التدريجي
التاريخ اللبناني حافل بالمحاولات الفاشلة لفرض مسار تفاوضي مع إسرائيل، بدءًا من اتفاق 17 أيار/مايو 1983، الذي أسقطه الواقع السياسي والمقاومة، وصولًا إلى محاولات متكررة للضغط على الدولة اللبنانية للقبول بصيغة “السلام البارد”. في السياق ذاته، تحذّر أوساط سياسية من أن واشنطن تمارس ضغوطًا تهدف إلى نزع سلاح المقاومة عبر تفاوض سياسي، ما قد يؤدي إلى أزمة داخلية تهدد الاستقرار اللبناني.
🔹 البعد الإقليمي: ربط لبنان بمسار التطبيع العربي
تتزامن هذه الضغوط مع تصاعد الحديث عن إمكانية انضمام السعودية إلى الاتفاق الإبراهيمي، وفق تصريحات سابقة للمبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف. كما أن إسرائيل تعمل على ترسيخ علاقات اقتصادية وأمنية مع فئات لبنانية محددة، كما هو الحال في ملف دروز لبنان وسوريا والجولان، حيث تسعى تل أبيب إلى إنشاء شبكة نفوذ داخل هذه الطائفة عبر تقديم دعم اقتصادي ومشاريع تنموية تستهدف المناطق الفقيرة.
🔹 خاتمة: هل ينجح لبنان في تفادي الفخ الأميركي؟
الواضح أن واشنطن لا تتعامل مع لبنان كحالة استثنائية، بل كجزء من استراتيجية أوسع تشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة. لكن قدرة لبنان على مقاومة هذه الضغوط ستعتمد على تماسك الموقف الداخلي ورفض أي انخراط في مسارات تفاوضية غير مضمونة. التحدي الحقيقي أمام المسؤولين اللبنانيين ليس في قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل في الحفاظ على ثوابت السيادة الوطنية ورفض الضغوط الخارجية التي قد تُدخل البلاد في دوامة جديدة من الأزمات السياسية والأمنية.