قصف جديد على رفح.. تصعيد متوقع وتحريض حكومي نحو كسر الهدنة

شهدت مدينة رفح جنوبي قطاع غزة ليلة دامية جديدة بعد أن شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة بدعوى الرد على ما وصفته تل أبيب بـ”خرق وقف إطلاق النار”، في وقتٍ تؤكد فيه المقاومة الفلسطينية التزامها الكامل بالهدنة، وتحمل الاحتلال المسؤولية عن خرقها عشرات المرات منذ دخولها حيّز التنفيذ.

أولاً: انهيار الثقة في الهدنة

بحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن الاشتباك الذي وقع مع مقاتلين من كتائب القسام كان سببًا في شن الغارات، بينما تشير مصادر المقاومة إلى أن الاحتلال هو من بادر بالتصعيد، في إطار محاولاته فرض وقائع ميدانية جديدة وإفشال الاتفاق الأمريكي الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الاحتلال خرق الهدنة أكثر من 47 مرة منذ بدايتها، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 40 فلسطينيًا وإصابة نحو 150 آخرين، إضافة إلى اعتقال مدنيين من مختلف مناطق القطاع.

ثانيًا: التحريض السياسي.. خطوة نحو العودة للحرب

في مشهد يفضح عمق الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، خرج وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش ليطالبا علنًا بإلغاء وقف إطلاق النار واستئناف الحرب بكامل قوتها، متهمين نتنياهو بـ”الاستسلام لحماس” و”التفريط في هيبة الجيش”.
هذا التحريض العلني يعكس تصاعد ضغط اليمين المتطرف على نتنياهو، في وقتٍ يواجه فيه الأخير أزمة داخلية متفاقمة بسبب تراجع شعبيته وفقدانه السيطرة على توازن الحكومة الائتلافية.

ثالثًا: واشنطن بين الإشراف والفشل

تأتي هذه التطورات رغم أن الهدنة تمت برعاية أمريكية مباشرة ضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي نصّت على وقف شامل لإطلاق النار مقابل انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال، وتبادل للأسرى، ودخول فوري للمساعدات الإنسانية، وصولاً إلى نزع سلاح حماس تدريجيًا.
إلا أن الضمانات الأمريكية الهشة بدت عاجزة عن إلزام إسرائيل ببنود الاتفاق، ما يثير تساؤلات حول مدى جدّية واشنطن في فرض التزاماتها على تل أبيب، خاصة في ظل الانحياز السياسي والإعلامي الواضح للاحتلال.

رابعًا: دلالات الميدان.. رفح مرّة أخرى في الواجهة

استهداف رفح في هذا التوقيت يحمل رسالة مزدوجة: الأولى محاولة الاحتلال اختبار رد المقاومة ومدى التزامها بالهدنة، والثانية إبقاء الضغط النفسي والعسكري على المدنيين في الجنوب، الذين تحوّلت مدينتهم منذ شهور إلى مركز للنزوح الإنساني.
لكن استمرار الغارات رغم وقف النار يُنذر بأن إسرائيل تتجه نحو تصعيد محدود يُمهد لحرب أوسع إذا لم تُكبح اندفاعات وزراء اليمين.

خلاصة تحليلية

ما يجري في رفح ليس مجرد “رد تكتيكي”، بل مؤشر على تفكك اتفاق ترامب الميداني، وتآكل مصداقية الوساطة الأمريكية. التحريض العلني من بن غفير وسموتريتش يعكس نزعة إسرائيلية لإبقاء غزة تحت النار، بينما يقف نتنياهو بين مطرقة اليمين وسندان واشنطن.
ومع استمرار الخروقات، يبدو أن وقف إطلاق النار يترنّح، وأن العودة إلى الحرب ليست احتمالًا بعيدًا بل خيارًا قيد التنفيذ التدريجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى