قبرص بين المطرقة والسندان: أزمة شعارات تكشف عمق النفوذ الإسرائيلي والانقسام السياسي

تعيش الساحة السياسية القبرصية حالة من الغليان بعد قرار وزير الداخلية كونستانتينوس يوانو بإزالة الشعارات والكتابات المناهضة لـ”إسرائيل” من المباني والمنشآت العامة، في خطوة اعتبرها كثيرون رضوخًا لضغوط مباشرة من تل أبيب.

جذور الأزمة: من تل أبيب إلى نيقوسيا

تعود بداية الأزمة إلى 11 أغسطس، حين أرسل وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي تشيكلي رسالة رسمية إلى الحكومة القبرصية بعنوان “تعزيز الإجراءات لمكافحة معاداة السامية والتحريض على الكراهية”. الرسالة طالبت بشكل واضح بإزالة ما تعتبره إسرائيل “شعارات معادية للسامية”، وهو ما استجابت له وزارة الداخلية القبرصية في 11 سبتمبر بإصدار تعميم ملزم للبلديات.

غير أن الموقف لم يمر دون مقاومة؛ حيث برزت بلدية لارنكا كحالة فريدة، بعد رفض رئيسها أندرياس فيراس تنفيذ التعليمات، منتقدًا ما وصفه بـ”استسلام الحكومة للرواية الإسرائيلية”.

المعارضة: خضوع لإسرائيل وتكميم للتضامن مع فلسطين

المعارضة اليسارية، بقيادة حزب أكيل، وصفت القرار بأنه “عمل مخزٍ”، متسائلة: “هل يُعقل أن يتحكم نظام نتنياهو في قرارات بلادنا؟”. ورأت أن تصنيف الأعلام الفلسطينية أو الدعوات لإنهاء العدوان باعتبارها معاداة للسامية لا يعدو كونه محاولة لإسكات التضامن مع الفلسطينيين، معتبرة ذلك تعبيرًا سياسيًا مشروعًا.

الأزمة كشفت أيضًا عن مفارقة أخلاقية؛ إذ اعتبر الحزب أن استخدام خطاب “مكافحة الكراهية” لطمس التضامن مع ضحايا الاحتلال يضع قبرص في صف الخاضعين لسياسات التطهير العرقي والإبادة في غزة.

الحزب الحاكم: دفاع وهجوم مضاد

من جانبه، دافع حزب ديسي المحافظ عن خطوة الحكومة، معتبرًا أن اعتراض المعارضة يعكس “تاريخها الأيديولوجي الداعم للاتحاد السوفييتي ومعارضتها لعضوية الاتحاد الأوروبي”. وحاول الحزب تحويل النقاش بسؤال استنكاري: “كيف كان سيكون رد حزب أكيل لو طلبت السلطة الفلسطينية إزالة شعارات معادية للفلسطينيين؟”.

بهذا الطرح، أعاد الحزب الحاكم تأطير النقاش باعتباره مسألة توازن دولي وصورة قبرص أمام أوروبا، لا مجرد قضية تضامن مع فلسطين.

قراءة أعمق: البعد الإقليمي والدولي

ما يحدث في قبرص يتجاوز مسألة شعارات على جدران البلديات؛ إنه يعكس عمق النفوذ الإسرائيلي في السياسات الأوروبية، ويكشف هشاشة الموقف القبرصي أمام ضغوط الحلفاء. كما يسلط الضوء على حساسية الموقف الداخلي بين يمين محافظ يوازن حساباته الأوروبية، ويسار معارض يرفع شعار السيادة الوطنية والتضامن مع فلسطين.

إنها معركة على تعريف “معاداة السامية” في السياق الأوروبي، بين من يريد توسيعها لتشمل أي انتقاد للاحتلال الإسرائيلي، ومن يتمسك باعتبارها مساحة شرعية للتعبير السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى