الاحتجاجات في جنوب لبنان وإفشال خطة برّاك لنزع سلاح حزب الله

أولًا: خلفية الحدث

شهد جنوب لبنان موجة احتجاجات شعبية عارمة أعاقت زيارة المبعوث الأميركي توماس برّاك، الذي كان يسعى للترويج لخطة تقضي بنزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب، وإنشاء مشاريع اقتصادية مدعومة أميركياً وخليجياً. غير أن هذه الخطة واجهت رفضًا شعبيًا واسعًا، واعتُبرت مساسًا بـ”أرض المقاومة والشهداء”.

ثانيًا: دلالات الاحتجاجات

  1. التجذر الشعبي للمقاومة:
    اللافتات والشعارات التي رُفعت (“الموت لأمريكا”، “هذه أرض المقاومة”) تعكس أن أي مشروع لنزع سلاح حزب الله يصطدم بالوجدان الجمعي في الجنوب، حيث ارتبط السلاح بذاكرة التحرير عام 2000 والتصدي للعدوان الإسرائيلي في 2006 وما تلاه.
  2. فشل المقاربة الأميركية:
    واشنطن ربطت خطتها بحوافز اقتصادية وانسحاب إسرائيلي جزئي، لكنها أغفلت أن الأزمة اللبنانية ليست اقتصادية فحسب، بل وجودية ترتبط بالعدوان الإسرائيلي المستمر، ما يجعل مقايضة “المال مقابل السلاح” غير قابلة للتسويق محليًا.
  3. ردّ فعل عكسي على خطاب برّاك:
    تصريحات المبعوث الأميركي بحق الصحفيين اللبنانيين وتهديده بمغادرة المؤتمر الصحفي كشفت عن سوء تقدير للبيئة السياسية والاجتماعية في لبنان، وزادت من حدة الغضب ضده وضد المشروع الذي يحمله.

ثالثًا: أبعاد إقليمية

  1. المعادلة مع إسرائيل:
    الخطة الأميركية جاءت بعد هدنة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي عقب حرب غزة، لكنها تبدو أقرب لترتيبات أمنية لصالح الاحتلال، وهو ما جعلها فاقدة للشرعية شعبياً.
  2. الدور الإيراني:
    واشنطن تهدف إلى تقليص نفوذ إيران عبر تجفيف مصادر تمويل حزب الله. غير أن الدعم الشعبي في الجنوب، حيث النفوذ الإيراني متجذر عبر البنية الاجتماعية والسياسية، يُصعّب هذه المهمة.
  3. المشهد السوري – السويداء نموذجاً:
    لقاء برّاك مع وليد جنبلاط وإشارته إلى خطورة فصل السويداء عن سوريا يكشف أن الملف اللبناني مرتبط بالملف السوري. أي محاولة لإعادة رسم النفوذ في الجنوب اللبناني قد تؤدي إلى ارتدادات داخل سوريا وفتح الباب أمام تعزيز الحضور الإيراني هناك.

رابعًا: انعكاسات على الداخل اللبناني

  • تعزيز موقع حزب الله: هذه الاحتجاجات منحت الحزب ورقة إضافية ليقول إنه ليس فقط قوة عسكرية بل أيضًا ممثلًا لتوجه شعبي واسع في الجنوب.
  • إرباك السلطة اللبنانية: الحكومة والرئاسة بدتا في موقف حرج، فبينما تحتاجان دعم واشنطن الاقتصادي، لا تستطيعان المضي بخطة تتعارض مع المزاج الشعبي.
  • انكشاف محدودية الجيش اللبناني: الحديث عن خطة يقدّمها الجيش لإقناع حزب الله بنزع سلاحه يُظهر وضع المؤسسة العسكرية في موقع وساطة صعب بين الضغوط الأميركية والواقع السياسي والاجتماعي الداخلي.

خامسًا: السيناريوهات المستقبلية

  1. فشل الخطة الأميركية بالكامل إذا استمرت المعارضة الشعبية والسياسية، وهو الاحتمال الأرجح في المدى القريب.
  2. تعديل الخطة عبر التركيز على دعم اقتصادي وإنمائي من دون ربطها مباشرة بنزع السلاح، كمرحلة أولية لكسب ثقة المجتمع المحلي.
  3. زيادة الضغوط الأميركية والإسرائيلية عبر تهديدات سياسية أو اقتصادية، ما قد يفتح الباب أمام توترات أوسع وربما مواجهة عسكرية محدودة.

خلاصة

أحداث جنوب لبنان أكدت أن سلاح حزب الله ليس مجرد ملف داخلي أو ورقة تفاوضية أميركية – إسرائيلية، بل قضية وجودية مرتبطة بالهوية السياسية والاجتماعية للجنوب. الاحتجاجات أظهرت أن أي مسعى خارجي لنزع هذا السلاح يفتقر إلى قاعدة محلية داعمة، وأن مقاربة “العصا والجزرة” الأميركية مرشحة للفشل ما لم يُعاد النظر جذريًا في فهم تعقيدات المشهد اللبناني والإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى