تفكيك حماس بين المخططات الإسرائيلية و”الترحيب العربي”: صفقة المال والسياسة على حساب الدم الفلسطيني

مقدمة

تصريحات يائير غولان، رئيس حزب “الديمقراطيين” في الكيان الإسرائيلي ونائب رئيس الأركان السابق، عن وجود “ترحيب عربي” بخطة لتفكيك حركة حماس، فتحت الباب مجددًا حول حجم التورط الإقليمي في المشروع الإسرائيلي ضد غزة. أخطر ما كشفه غولان هو استعداد وزير خارجية الإمارات لدفع 43 مليار دولار لإعادة إعمار غزة مقابل المساهمة في تشكيل “حكومة فلسطينية معتدلة” ـ لا تتبع السلطة الفلسطينية ـ ما يعكس محاولة إعادة هندسة المشهد الفلسطيني بما يخدم أجندة إسرائيل وحلفائها.


أولاً: المال كأداة لإعادة تشكيل غزة

عرض الإمارات استثمار عشرات المليارات لا يمكن قراءته كجهد إنساني، بقدر ما هو أداة سياسية لفرض نموذج “ما بعد حماس”.

  • إعادة الإعمار المشروطة: الأموال ليست بلا مقابل، بل مشروطة بتفكيك حماس وإزاحتها من المشهد.
  • حكومة بديلة: الطرح الإماراتي يرفض سلطة محمود عباس، ويبحث عن “قيادة جديدة” في غزة تكون أكثر مرونة في التعامل مع إسرائيل.
  • إضعاف المقاومة: تحويل ملف إعادة الإعمار إلى ورقة ضغط سياسي هدفه تفكيك البنية الاجتماعية التي تستند إليها حماس.

ثانياً: الخطة الإسرائيلية لإعادة احتلال غزة

يتقاطع ما كشفه غولان مع ما أقره “الكابينت” الإسرائيلي في 8 أغسطس 2025، من خطة لإعادة احتلال القطاع تدريجيًا:

  • مرحلة أولى: هجوم شامل على مدينة غزة باعتبارها مركز الثقل السكاني والسياسي.
  • تكتيكات ميدانية: استخدام الروبوتات المفخخة، والقصف العنيف، وسياسة الأرض المحروقة لخلق بيئة طاردة للسكان.
  • التهجير المنهجي: إدخال خيام ومساعدات عبر معبر كيرم شالوم لتسهيل نقل السكان جنوبًا، في خطوة تعكس سياسة “التطهير العرقي الناعم”.

ثالثاً: الدور العربي والإقليمي

تصريحات غولان عن “الترحيب العربي” بالخطة ليست مجرد تفصيل عابر، بل تكشف عن:

  • شرعنة عربية للمخطط الإسرائيلي: بعض الأنظمة تسعى لإظهار نفسها كجزء من “الحل” عبر التمويل أو الدعم السياسي، بينما جوهر الأمر هو تبني الخطة الإسرائيلية.
  • دور الإمارات: باتت أبوظبي رأس حربة في مشاريع إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية ـ الإسرائيلية، عبر المال والدبلوماسية.
  • تباين داخلي عربي: بينما تتبنى دول مثل الإمارات هذا المسار، تبقى دول أخرى مترددة أو صامتة، خشية ردود الفعل الشعبية.

رابعاً: البعد الدولي والغطاء الأمريكي

  • دعم أمريكي مطلق: واشنطن تغطي سياسياً وعسكرياً خطة نتنياهو لإعادة احتلال غزة، متجاهلة أوامر محكمة العدل الدولية.
  • استخدام “المساعدات” كغطاء: إدخال الخيام والإغاثة بالتنسيق مع الأمم المتحدة يهدف لتجميل صورة التهجير القسري أمام المجتمع الدولي.
  • الضغط على أوروبا: من خلال مشاريع إعادة الإعمار “الضخمة” لجرّ الشركات الأوروبية والأمريكية للاستفادة اقتصاديًا، وبالتالي خلق لوبي داعم للخطة.

خامساً: الأبعاد الإنسانية الكارثية

الأرقام في غزة تكشف حجم المأساة المستمرة:

  • أكثر من 61 ألف شهيد، غالبيتهم نساء وأطفال.
  • 155 ألف مصاب يعانون من نقص الرعاية الصحية.
  • 9 آلاف مفقود تحت الركام أو في ظروف مجهولة.
  • مجاعة قاتلة حصدت أرواح 251 شخصًا بينهم 108 أطفال.

كل ذلك يجعل من أي حديث عن “إعادة إعمار” في ظل استمرار القتل والتهجير مجرد تسويق سياسي لمشروع استعماري جديد.


استنتاج تحليلي

ما يجري اليوم هو محاولة لفرض معادلة جديدة: تفكيك المقاومة الفلسطينية مقابل أموال الإعمار. تصريحات غولان تؤكد أن إسرائيل لا تتحرك وحدها، بل تجد في بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها الإمارات، شركاء مستعدين لتمويل مشروع إعادة احتلال غزة سياسيًا واقتصاديًا.

لكن هذه الخطة تصطدم بثلاثة تحديات كبرى:

  1. الرفض الشعبي العربي والإسلامي لأي مشروع تطبيع أو شراكة مع إسرائيل على حساب دماء الفلسطينيين.
  2. إصرار المقاومة الفلسطينية على البقاء في المشهد، باعتبارها الطرف الوحيد الذي يملك شرعية شعبية حقيقية في غزة.
  3. التداعيات الدولية، حيث يمكن أن تتحول أي عملية تهجير أو إعادة احتلال إلى جريمة موثقة تُلاحق قادة الاحتلال ومن يساندهم.

في النهاية، قد تملك إسرائيل وحلفاؤها المال والسلاح، لكنهم يفتقدون العنصر الأهم: شرعية الأرض والشعب. وأي محاولة لتفكيك غزة عبر مشاريع سياسية واقتصادية ستبقى رهينة صمود الفلسطينيين ووعي الشعوب العربية.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى