تطبيع عبر الرياضة والثقافة رغم العواصف.. عودة ناعمة لمسار “صفقة القرن 2.0”

رغم صدمة الحرب في غزة وتراجع موجة الانفتاح العربي على إسرائيل خلال الأشهر الماضية، إلا أن مشهد التطبيع لم يُطوَ تمامًا. بل عاد في صيغ أكثر “نعومة” عبر مجالات الرياضة والثقافة والبحث الأكاديمي، كأن المنطقة تعيد اختبار قدرتها على الفصل بين السياسة والمصالح الاستراتيجية. هذا التمدد “الهادئ” في التطبيع يعكس براغماتية جديدة تضع حسابات التحالفات والمنافع قبل الاعتبارات القومية أو الشعبية.

التطبيع الثقافي والرياضي: جسور رمزية لا تنكسر

  • الرياضة كمنصة لتطبيع ناعم:
    رغم إلغاء بعض المباريات الودية بين أندية خليجية وإسرائيلية أثناء العدوان على غزة، سرعان ما عادت أصوات في الإعلام العربي تطالب بـ”فصل الرياضة عن السياسة”، في إشارة إلى محاولة إعادة فتح الباب أمام الفعاليات المشتركة.
  • الثقافة والفنون كقناة بديلة:
    خلال الحرب نفسها، شارك فنانون إسرائيليون “افتراضيًا” في مهرجانات فنية إقليمية، ما يعكس حرص بعض الدوائر الثقافية على إبقاء شعرة التواصل قائمة رغم العاصفة.
  • البحرين نموذج التطبيع الأكاديمي:
    كشف تقرير لمنصة تطبيع ووتش في 5 أكتوبر عن زيارة وفد أكاديمي بحريني لإحدى الجامعات الإسرائيلية لإطلاق برنامج تبادل طلابي، خطوة توصف بأنها “تطبيع صامت” يعزز الروابط المجتمعية بين الطرفين بعيدًا عن الأضواء السياسية.

السعودية والتطبيع السري: الأمن قبل السياسة

  • لقاءات استخباراتية منتظمة:
    وفق واشنطن بوست، تُعقد اجتماعات دورية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين لبحث التنسيق الأمني في البحر الأحمر ومواجهة التمدد الإيراني.
  • الخطاب الرسمي شيء، والواقع شيء آخر:
    بينما تلتزم الرياض علنًا بموقف مشروط بحل الدولتين ووقف الحرب، تؤكد هذه اللقاءات أن التطبيع الأمني والاستخباراتي قائم بالفعل.
  • التحرك السعودي البطيء والمترقب:
    تنتظر المملكة نتائج الحرب ومدى التزام إسرائيل بوعودها قبل أن تقدم على اتفاق علني، لتضمن أن تكون “الصفقة” القادمة جزءًا من إنجاز دبلوماسي كبير يمنحها وزنًا إقليميًا ودوليًا.

الإمارات: المحرك الخلفي لقطار التطبيع

  • تطمينات أمريكية وإسرائيلية:
    تؤدي أبوظبي دور “الضامن” لمسار التطبيع، وتعمل على تهدئة التوترات من خلال رسائل موجهة لإسرائيل بألا تتجاوز الخطوط الحمراء التي قد تهدد المسار.
  • الاقتصاد بوابة النفوذ:
    استمرار مشاركة شركات إسرائيلية في معارض دبي التقنية (مثل GITEX 2025) يؤكد أن العلاقات الاقتصادية لم تتوقف بل اتخذت شكلًا أكثر تحفظًا وهدوءًا.
  • النهج البراغماتي الإماراتي:
    تسعى أبوظبي لترسيخ نموذج تطبيع يقوم على المصالح المتبادلة والتكنولوجيا والاقتصاد، بغض النظر عن التصعيد العسكري أو السياسي في المنطقة.

براغماتية ما بعد الحرب: القطار لم يتوقف

  • رغم الغضب الشعبي الواسع، لم تتراجع مشاريع التطبيع طويلًا.
  • مع اقتراب وقف إطلاق النار وتراجع التوتر، بدأت العواصم الخليجية تعيد ترتيب أوراقها لمرحلة “اليوم التالي للحرب”.
  • التطبيع لم يمت بل دخل “مرحلة الكمون”، بانتظار لحظة سياسية مناسبة لإعادة الإعلان عنه.

“صفقة القرن 2.0”: عودة ترامب وفتح الباب مجددًا

  • ترامب العائد إلى البيت الأبيض يمثل فرصة ذهبية لإحياء مشروعه الأصلي، مع تعديلاته التي تراعي الواقع الجديد في غزة والسعودية.
  • يتوقع مراقبون أن يدفع ترامب نحو صفقة سلام سعودية إسرائيلية سريعة، كإنجاز سياسي يكرس هيمنته على المشهد الشرق أوسطي.
  • إذا تحقق ذلك، فسيكون امتدادًا طبيعيًا لمسار بدأ في أبوظبي والمنامة عام 2020، ويتجه اليوم نحو الرياض وربما جاكرتا.

ما يجري ليس تطبيعًا “جديدًا”، بل استمرارية بملابس مدنية:

  • رياضة، فن، أكاديميا، وتكنولوجيا — كلها مجالات تخفف من وطأة “العار السياسي” وتمنح الغطاء للعلاقات الإسرائيلية العربية كي تستمر دون مواجهة مباشرة مع الرأي العام.
  • المعادلة الجديدة التي تفرض نفسها بعد الحرب:
    المصالح قبل المبادئ، والبراغماتية قبل الشعارات.
  • ومع دخول المنطقة في مرحلة “ما بعد غزة”، يبدو أن القطار التطبيعي عاد إلى سكّته، وإن هذه المرة بسرعات مختلفة، وبمقاعد مخصصة فقط لمن اختاروا الواقعية على حساب الكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى