تصعيد ممنهج في الضفة الغربية: سياسة الأرض المحروقة وتمكين المستوطنين

تشهد الضفة الغربية منذ أسابيع تصعيدًا متسارعًا في وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، يجمع بين تدخلات عسكرية مباشرة من جيش الاحتلال وهجمات ميدانية تنفذها مجموعات المستوطنين تحت حمايته، في مشهد يعيد رسم ملامح السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية عبر سياسة مزدوجة من “العنف والتوسع”.

أولاً: تصعيد ميداني منظم

شهدت مدن طولكرم، جنين، الخليل، رام الله، ونابلس موجات متزامنة من الاقتحامات والمواجهات، رافقها هدم منازل ومنشآت زراعية بحجة البناء دون ترخيص في مناطق (ج).
يأتي ذلك بالتوازي مع فرض طوق عسكري على بلدات مثل حزما شمال شرق القدس، عقب حوادث محدودة استخدمتها سلطات الاحتلال ذريعة لتشديد الإغلاق والعقاب الجماعي.

هذا النمط من التحركات يؤشر إلى سياسة ميدانية هدفها خنق المدن الفلسطينية وإعادة إنتاج واقع أمني يجعل من الوجود الفلسطيني داخل الضفة الغربية هشًّا ومقيدًا.

ثانيًا: الاستيطان كذراع موازٍ للعنف

وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أصدر الاحتلال خمسة أوامر عسكرية جديدة بالاستيلاء على 73 دونمًا من أراضي رام الله والبيرة، ضمن استراتيجية التوسع التدريجي تحت مسمى “الأغراض الأمنية”.
كما أقام الاحتلال منذ أكتوبر 2023 نحو 30 منطقة عازلة جديدة حول المستوطنات، في إطار سياسة فرض “حقائق ميدانية” دائمة تمهّد للضم الفعلي.

النتيجة أن الاحتلال لا يكتفي بالاستيطان كأداة ديموغرافية، بل يدمجه اليوم في بنية أمنية جديدة تشرعن القمع وتمنع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية.

ثالثًا: المليشيات الاستيطانية.. وجه جديد للعقاب الجماعي

الهجمات التي نفذها المستوطنون في الخليل ونابلس وسلفيت، ومنها الاعتداء على عائلة في السموع وإطلاق الغاز على منزلهم، تكشف تحول المستوطنين إلى أداة تنفيذ مباشر للعنف في ظل تواطؤ رسمي من جيش الاحتلال.
وتشير الأرقام إلى أن المستوطنين ارتكبوا منذ أكتوبر 2023 أكثر من 7 آلاف اعتداء، أسفرت عن استشهاد 33 فلسطينيًا وتهجير 33 تجمعًا بدويًا، مع إنشاء 114 بؤرة استيطانية جديدة — ما يعني عمليًا نشوء “دولة المستوطنين” داخل الضفة.

رابعًا: دلالات سياسية وأمنية

هذا التصعيد يأتي في ظل انشغال العالم بملف غزة، ما يمنح حكومة نتنياهو هامشًا واسعًا لتكثيف مشروع الضم في الضفة دون ضغوط دولية حقيقية.
في المقابل، فإن استمرار الانتهاكات اليومية واعتقال الآلاف (بينهم 1600 طفل) يكرس واقعًا من الإبادة البطيئة والتهجير القسري، ويفتح الباب أمام انفجار جديد في الضفة الغربية قد يعيد خلط أوراق المنطقة بأكملها.

ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد تصعيد عابر، بل مرحلة جديدة من مشروع السيطرة الشاملة الذي يجمع بين القوة العسكرية، التمدد الاستيطاني، والعنف الميداني ضد السكان المدنيين.
الهدف النهائي هو إعادة تشكيل الخريطة السكانية والجغرافية للضفة لصالح المستوطنين، وتصفية أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلية ذات سيادة أو تواصل جغرافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى