أسطول الصمود المتجه لغزة: موجة التحدي لـ”إسرائيل” أصبحت عصية على الانكسار

منذ ما يقارب عقدين، تحوّلت محاولات كسر الحصار البحري المفروض على غزة إلى ظاهرة عالمية متصاعدة. البداية كانت بقوارب صغيرة متفرقة، أما اليوم فقد صار المشهد مختلفًا تمامًا: أكثر من 50 سفينة، مئات النشطاء، برلمانيون، محامون، أطباء، فنانون، وصحفيون من 44 دولة، يشكّلون ما بات يعرف بـ “أسطول الصمود”.
هذه ليست مجرد رحلة بحرية، بل تحدٍّ مباشر لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، وفضح لسياسات الغرب المتواطئة، ورسالة أخلاقية تتجاوز الحدود: غزة ليست وحدها.

البعد الرمزي والإنساني

تصف الكاتبة التونسية سمية الغنوشي هذا الأسطول بأنه لا يبحر بالسلاح، بل بالخبز والدواء، وبالقناعة بأن للضمير العالمي صوتًا لم يمت.
القوارب الهشّة التي تعبر المتوسط تحمل سلاحًا أقدم وأقوى من الصواريخ: الإصرار على الوجود، ورفض الإبادة.
إنها رواية نقيضة للرواية الصهيونية: إذا كانت سفينة “إكسودس 1947” قد ساهمت في شرعنة قيام إسرائيل عبر استدرار عطف الغرب، فإن “إكسودس 2025” تعكس المشهد المعكوس: تعاطف عالمي مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الاستعمار الاستيطاني.

استدعاء التاريخ

  • 2008: سفينتان من حركة “غزة الحرة” تكسران الحصار.
  • 2010: مجزرة “مافي مرمرة” التي قتل فيها 10 نشطاء أتراك على يد قوات الاحتلال.
  • 2015–2016: اعتراض “قارب النساء إلى غزة” وأسطول الحرية الثالث.
  • 2018: مصادرة أسطول “من أجل مستقبل عادل لفلسطين”.
  • 2025: تصعيد نوعي إسرائيلي باللجوء إلى الطائرات المسيّرة لاعتراض السفن في عرض البحر.

كل محطة من هذه الرحلة الطويلة رسّخت قاعدة أساسية: رغم الفشل العسكري في اختراق الحصار، فإن التضامن يتسع والنقمة العالمية على الاحتلال تتعاظم.

ردود الفعل الدولية: الشعوب تتحرك والحكومات تتواطأ

  • أوروبا: انقسام صارخ؛ مدريد ودبلن وبروكسل عبّرت عن مواقف أخلاقية، بينما واصلت باريس وبرلين ولندن دعم الاحتلال عسكريًا وسياسيًا.
  • العالم العربي: تواطؤ أو صمت. مصر، الجار المباشر، رفضت رسو السفن في موانئها، وأحكمت إغلاق حدودها. تونس بدت عاجزة عن مواجهة انتهاك سيادتها بعد استهداف الأسطول في ميناء سيدي بوسعيد.
  • الولايات المتحدة: استمرار الحماية الدبلوماسية عبر الفيتو، مع دعم مفتوح بالسلاح لإسرائيل.
  • الشعوب: في المقابل، أجبرت الاحتجاجات والإضرابات في إيطاليا الحكومة على إرسال سفينة حربية لحماية الأسطول، بينما تعهّد رئيس وزراء إسبانيا بمرافقة بحرية كاملة.

دلالات سياسية

  1. فضح الأكاذيب الإسرائيلية: فالسفن لا تحمل “إرهابيين”، بل شخصيات عامة وصحفيين ينقلون البث المباشر، ليظهر وجه الاحتلال الحقيقي.
  2. تحول المعركة إلى أخلاقية – رمزية: إسرائيل تبدو قوة عسكرية ضعيفة أمام مدنيين عزّل يحملون راية الضمير.
  3. تراكم النضال العالمي: ما بدأ بمبادرات محدودة أصبح اليوم حركة واسعة تعكس انزياحًا في الرأي العام العالمي، خاصة مع جرائم الإبادة الجماعية في غزة.
  4. مأزق الاحتلال: كلما استخدم القوة ضد المدنيين في عرض البحر، كلما عزّز الرواية الفلسطينية أمام العالم.

خاتمة

أسطول الصمود 2025 ليس مجرد محاولة لكسر حصار غزة، بل علامة فارقة في مسيرة الوعي العالمي تجاه فلسطين. إنه تعبير عن إرادة الشعوب في مواجهة عجز الحكومات، وعن قدرة التضامن المدني على قلب معادلات السياسة.
لقد فشل الاحتلال في منع الرحلة الرمزية من الانطلاق، حتى لو اعترض السفن وأعادها. فالرسالة وصلت: الصمود أقوى من الحصار، والتاريخ هذه المرة لا يُكتب في مكاتب البيت الأبيض أو الكنيست، بل على أمواج المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى