سعيد ناشيد: شجرة الخلد والتطبيع مع إسرائيل

سعيد ناشيد: شجرة الخلد والتطبيع مع إسرائيل

مرشحنا اليوم هو الباحث المغربي سعيد ناشيد، ذلك المثقف الذي حاول استغلال فلسفته وعلمه لإقناع الناس بأهمية التطبيع وضرورته، هذا هو القلم الذي يعتمد عليه الصهاينة لنشر أفكارهم وترسيخها في أفئدة الشعوب العربية لتتحول عقيدة العروبة بداخلهم إلى مسخ ينبطح للمستعمر ويسبح بضرورة وجوده في البلاد لحمايتها من الفساد.

خرج علينا هذا الناشيد قبل أيام مؤكداً أن السلام مع إسرائيل هو “سلام الشجعان“، مؤكداً أنه بمثابة “اختبار لا مفر منه، اختبار يجب أن يخوضه العرب” لأن الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام، الذي في نظره لابد أن يكون مع إسرائيل.

سعيد ناشيد: شجرة الخلد والتطبيع مع إسرائيل

اعتمد ناشيد في طرحه على أن إسرائيل هي حقيقة واقعية، لا يمكن الهروب من فكرة أنها أصبحت دولة كبيرة ذات كيان مهيمن ذو تقدم حضاري ونهضوي ومجتمعي مع قوة سياسية تفرض نفسها وبقوة على المجتمع الدولي، مشدداً على أن إنكار وجودها هو وهم في عقول الجبناء الذين لا حجة لديهم ولا منطق، ولا يعرفون سوى لغة الحروب التي إن دخلوها لن يجدوا سوى هزيمة نكراء في انتظارهم.

حسناً، إسرائيل كدولة، موجودة بالفعل، لكن لا يجب الخلط أبداً بين حقيقة وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبين أحقية وجودها، هي موجودة ولا يمكن انكار ذلك، لكنها مثل المرض، مثل السرطان مثلاً، اعترافنا بوجوده هو بداية لمحاربته والقضاء عليه والتخلص منه نهائياً، لم نسمع يوماً أن أحدهم سجد شاكراً فرحاً أنه لن يُشفى من السرطان، أو أن المحيطين به يشجعونه على الاستسلام للموت وعدم محاربة السرطان لأنه أصبح أمراً واقعاً ربما لن يقو جسده على مقاومته، وإن كانت الظروف غير مواتية لإعلان الحرب عليها، هذا لا يعني أن السلام معها هو الحل، فالصبر على البلاء لا يعني أبداً عدم السعي للتخلص منه.

حاول ناشيد إقناع العرب بالتطبيع مع إسرائيل من منطلق ديني أيضاً، إذ قال إنه على عكس ما يروج البعض بأن رفض التطبيع ينبعث من عقيدة البراء التابعة للإسلام المؤدلج، فإنه -وفي نظره- الاعتماد على المرجعية الدينية “يقود مباشرة إلى التطبيع… لأن هناك وحدة الديانات الإبراهيمية، وهناك ذاكرة مشتركة، والاضطهاد المشترك.. ولذلك فإن العدو الأساسي، بالنسبة للإسرائيليين هو اليمين المتطرف المتمثّل في الرجل الأبيض، لأنه هو من قسا عليهم أكثر.. إذن، فالذاكرة الدينية والمشتركة تقودان نحو التطبيع وليس الرفض”.

سعيد ناشيد: التطبيع أسلم طرق الحكومات العربية إلى "سلام الشجعان" | الحبيب  مباركي | صحيفة العرب

قد يكون لهذا الرأي بعض من الصحة لكن هذا إن سلمنا بأن العداء مع الكيان الصهيوني المحتل هو عداء ديني بحت أصله صراع بين المسلمين واليهود، لكن الحقيقة التي يرفض هو الاستسلام لها أن هذا الصراع الذي بدأته إسرائيل يأخذ أبعاداً أخرى أعمق بكثير من أن ينحصر في نزاع طائفي بين الشعوب. إسرائيل ومع بداية إعلان دولتها الغاصبة على يد مجموعة من العصابات والميليشيات الصهيونية هي من روجت أنها دولة على أساس ديني وأن هذه الأرض المقدسة هي ملك لهم -كيهود- مستندين على بعض الخرافات المتواجدة في كاتبهم “المحرف”، وإن سلمنا بحقيقة ما يدعون إليه، هل حقاً هناك دين سماوي يأمر أتباعه بالقتل والحرق وسفك الدماء وذبح الأطفال وبقر بطون النساء الحوامل واغتصاب الأرض بالقوة بعد طرد أهلها منها؟!

جادل ناشيد أيضاً بأن الانفتاح على الثقافات والديانات الأخرى والتعامل مع أبنائها هو سمة من سمات قدماء العرب والمسلمين، ربما يريد الاستشهاد في ذلك بتعامل العرب والمسلمين مع اليهود إبان عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. حسناً، البعض مثل ناشيد يتشدقون بأن الرسول أبرم معاهدة سلام مع اليهود… نعم، هذا ما حدث، لكن المعاهدة تمت مع اليهود وليس مع أبناء صهيون، في وقت كان اليهود فيه أقلية مقيمة في أرض ليست بأرضهم ويعترفون بذلك، وأهدافهم المعلنة -على الأقل- كانت تتلخص في العيش في استقرار اجتماعي واقتصادي.. ليسوا سواء أبداً، بل حين أظهروا غدرهم وسوء نواياهم، لم يكن الرد المتوفر سوى الطرد والحرب والتخلص منهم نهائياً.

الطامة الكبرى في فرضيات ناشيد لإقناع العرب بالتخلي عن عروبتهم والاستكانة للتطبيع مع الصهاينة، تمثلت في ادعائه بأن التطبيع هو أقصر الطرق لدعم القضية الفلسطينية، ففي نظره، يمكن استغلال يهود المغرب المتواجدين داخل إسرائيل في تكوين لوبي خاص بالعرب لاستخدامه كجماعة ضغط على الصهاينة للاستجابة لمطالبنا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، متناسياً أن عقيدة “البراء” التي يستنكرها على كثير من المسلمين، هي ذاتها العقيدة التي يدين بها اليهود في إسرائيل، سواء مغاربة أو أشكيناز، ولكن في حالتهم، فإن “البراء” عندهم لدولة إسرائيل، وليس للدين اليهودي.

سعيد ناشيد، في نظري، هو صاحب تفاحة آدم لهذا العصر، يريد إغواء العرب بأن في التطبيع مع إسرائيل ضمان لوجودهم وتحقيق أهداف ثورات الربيع العربي “الفاشلة” -على حد قوله- والتي فشلت كما يرى بسبب الإسلام السياسي المؤدلج والتمسك بفكرة عداء إسرائيل، كأنه يريد أن يقنع العرب أن في سلامنا مع تلك الدولة المحتلة “شجرة الخلد” التي ستضمن بقائنا، وهي كذلك فعلاً، فشجرة الخلد هي سبب نزول آدم من الجنة.

اقرأ أيضًا: أموال دبي إلى تل أبيب.. تبادل تجاري غير مسبوق بين الإمارات وإسرائيل في 5 أشهر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى