من أربيل إلى تل أبيب.. زيارة دلشاد بارزاني تفتح ملف “تجريم التطبيع” في العراق من جديد

أثارت زيارة دلشاد بارزاني، شقيق زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إلى سفارة الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة الألمانية برلين، جدلًا واسعًا داخل العراق، وأعادت إلى الواجهة الجدل المتجدد حول قانون “تجريم التطبيع” مع إسرائيل، والذي اعتبره البعض مجرد “حبر على ورق”.

النائب السابق غالب محمد فجّر القضية عبر منصة “إكس”، مؤكدًا أن دلشاد بارزاني، الذي يشغل منصب ممثل حكومة إقليم كردستان في ألمانيا، زار السفارة الإسرائيلية في برلين، في خطوة تمثل – بحسبه – انتهاكًا صريحًا لقانون رقم 1 لسنة 2022 الذي يُجرّم التعامل أو التواصل مع الكيان الصهيوني.

خلفيات الزيارة.. تطبيع في الظل؟

زيارة بارزاني، وإن لم تُعلَن رسميًا من قبل حكومة الإقليم، تأتي ضمن سلسلة من الإشارات والاتهامات التي وُجهت مرارًا لقيادات كردية بعلاقات غير معلنة مع إسرائيل، والتي كان يُنظر إليها كأحد أبرز داعمي الاستقلال الكردي خلال استفتاء 2017. ورغم الصمت الرسمي، فإن الوقائع على الأرض – مثل هذه الزيارة – تعيد طرح تساؤلات جدية حول حجم الاختراق الإسرائيلي في الإقليم، ومدى الالتزام بالقوانين العراقية ذات الصلة.

قانون بلا سلطة؟

قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي أقرّه البرلمان العراقي في مايو 2022 وسط إشادة شعبية واسعة، ينص على معاقبة أي فرد أو جهة تتعامل أو تتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال، بعقوبات قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد. ومع ذلك، فإن تطبيق هذا القانون على الأرض يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا في ظل نفوذ بعض القوى السياسية والكيانات شبه المستقلة داخل العراق، وعلى رأسها إقليم كردستان.

يؤكد مراقبون أن القانون لم يطبق فعليًا في أي حالة معروفة حتى الآن، رغم وجود العديد من التقارير والاتهامات المتعلقة بعلاقات سرية أو زيارات إلى إسرائيل، سواء من مسؤولين كرد أو رجال أعمال أو إعلاميين.

تطبيع فوق الطاولة أم تقاطع مصالح؟

الجدير بالذكر أن إسرائيل لطالما حافظت على علاقات غير معلنة مع بعض الفاعلين في إقليم كردستان، من باب تقاطع المصالح الأمنية والاقتصادية. وتشير تقارير استخباراتية وإعلامية غربية إلى أن تل أبيب ترى في الإقليم الكردي “حليفًا طبيعيًا” في منطقة تعج بالخصوم.

زيارة دلشاد بارزاني قد لا تكون مجرد حركة دبلوماسية، بل مؤشرًا على علاقات أعمق، قد تكون تل أبيب حريصة على توسيعها، مستفيدة من التباينات السياسية داخل العراق، وانقسام القوى حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها “التطبيع”.

الصمت الرسمي.. وتحدي السيادة

فيما التزمت حكومة إقليم كردستان الصمت، فإن الحكومة المركزية في بغداد لم تُصدر حتى اللحظة أي تعليق رسمي، ما يعزز من الشعور الشعبي بأن القانون الذي وُضع لتأكيد السيادة الوطنية قد أصبح عاجزًا عن محاسبة الأسماء النافذة.

يرى محللون أن استمرار هذه الازدواجية بين الخطاب الوطني الرافض للتطبيع، وبين ممارسات بعض القوى داخل الدولة العراقية، يُقوّض من هيبة القانون، ويفتح الباب أمام مزيد من الاختراقات الإسرائيلية في الساحة العراقية.

خاتمة: هل يُفعَّل القانون.. أم يبقى حبراً على ورق؟

بينما يصر البرلمان العراقي وبعض القوى السياسية على التمسك بقانون تجريم التطبيع، فإن الوقائع الميدانية تطرح تساؤلات صعبة: هل تملك بغداد القدرة على فرض القانون على الجميع دون استثناء؟ أم أن ملفات التطبيع ستبقى رهينة الصفقات السياسية والمصالح الإقليمية والدولية؟

زيارة دلشاد بارزاني ليست حدثًا عابرًا، بل مؤشرًا خطيرًا على هشاشة التشريعات في وجه النفوذ السياسي، واختبارًا حقيقيًا لجدية العراق في الحفاظ على قراره السيادي في وجه التطبيع المتنامي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى