من أبو ظبي.. هنا تل أبيب

من أبو ظبي.. هنا تل أبيب

قبل أكثر من 64 عاماً، خلال العدوان الثلاثي على مصر، وفي الوقت الذي كان يسيطر فيه القلق والخوف على المصريين بعد تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية في منطقة صحراء أبو زعبل، وتوقف الإذاعة المصرية عن الإرسال ليصبحوا في معزل عن العالم الخارجي، تجسدت معاني الوطنية والوحدة العربية في عبارة هي الأشهر على مر تاريخ الإذاعات العربية أجمع والتي قالها واحد من جهابذة الإعلام السوري، المذيع عبد الهادي البكار: “من دمشق هنا القاهرة… من سوريا هنا مصر.. لبيك لبيك يا مصر”.

مصر وأبو ظبي

جاءت هذه العبارة لتطمئن المصريين أنهم ليسوا وحدهم في المعركة التي تكالب عليهم فيها محور الشر الغربي: إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عام 1956، ورغم الخسائر البشرية والعسكرية التي تكبدتها مصر آنذاك، لم تستطع هذه الحرب أن تنل من عزيمة شعوبنا، ولم تنجح في زعزعة استقرار معاني العروبة في وجدان العرب، ليهب عبد الهادي البكار لنجدة إخوانه في مصر، وينقل لهم ما يجب أن يعرفوه من وطنهم الثاني سوريا.

سطور من ذهب كتب بها التاريخ مواقف بطولية مشابهة، جميعها كان يؤكد أن العرب إخوة، وأنهم كالبيان، يشد بعضهم بعضاً، وأن الذي بين الشعوب العربية أقوى من تحالف قوى الغرب المعتدية، وأشد من مدافعهم، وأن الصوت الذي يحاولون خنقه في الشام، يُسمع صداه في المغرب.

تطبيع أبو ظبي

أما اليوم، وبكل الخزي، وبعد اتفاقات العار لتطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال الصهيوني، انقلبت الآية، وأصبح عدوي صديقي، لأن المصلحة تقتضي ذلك، وليتها غاية مشرفة لتبرر تلك الوسائل القذرة، بل هو انبطاح لأجل انبطاح، فأي مبرر يمكن أن نقبله حين تبيع العاهرة شرفها مقابل المال كي تتمكن من إعالة عائلتها!

أبو ظبي واسرائيل

تتوالى أخبار العار يوماً بعد يوم، والأحد تم الإعلان عن بدء استيراد الإمارات بضائع من منتجات مستوطنات إسرائيلية، مُقامة على أراض فلسطينية محتلّة، لتدخل بذلك اتفاقيات التبادل التجاري مع الكيان المحتل حيز التنفيذ، حيث تم توقيع 4 اتفاقيات في 08 ديسمبر/كانون الأول، أعلن عنها رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة، يوسي داغان، لتصدير منتجات المستوطنات إلى أبو ظبي من خلال شركة “فام” الإماراتية المملوكة لرجل الأعمال فيصل علي موسى النقبي، الذي أصبح بهذه الاتفاقيات الراعي الرسمي للثروات المسروقة.

الإعلام الإسرائيلي يكشف عن فحوى أول وثيقة رسمية بين الإمارات وإسرائيل - RT  Arabic

وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن المجلس الإقليمي لمستوطنة السامرة بدأ في تصدير منتجاته إلى الإمارات، والتي تشمل زيت الزيتون والعسل من مستوطنة هرمش والفردوس، ونبيذ من معمل مستوطنة ريحليم، وسيتم تصديرها بملصقات “صنع في إسرائيل”، ليُعد هذا اعترافاً ضمنياً بالمستوطنات التي تعتبرها معظم دول العالم غير شرعية، بل إن يوسي داغان اعتبر هذه الخطوة تاريخية للسامرة وإسرائيل بأكملها كونها بداية لفرض السيادة الفعلية الكاملة للاعتراف بشرعية المستوطنات.

“فام” القابضة باستيرادها البضائع من المستوطنات الإسرائيلية، لا ترتكب انتهاكاً أخلاقياً وحسب، بل ترتكب انتهاكاً قانونياً لكافة القوانين الدولية التي تعتبر المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية خارج حدود 1967 غير شرعية، وبالتالي فإن التعاون معها يُعد غير قانونياً، كما ترفض المحاكم الأوروبية نسب البضائع المصنعة هناك إلى إسرائيل، حيث كانت محكمة العدل الأوروبية قد قضت عام 2019 بأن المنتجات الإسرائيلية التي تم إنتاجها في المستوطنات لا يمكن تصنيفها على أنها “صنعت في إسرائيل”.

من غير الواضح حقاً ما سبب الإمعان في إضفاء شرعية على كل ما هو إسرائيلي، بل ما السبب وراء مساعدة إسرائيل في سلب ونهب ما ليس لها من الأساس، العالم كله يعرف أن إسرائيل دولة محتلة، وحتى من يعترف بإسرائيل لا يعترف بشرعية المستوطنات، فلماذا هرول النقبي -مالك ومدير “فام” لمساعدة إسرائيل في نهب خيرات فلسطين والفلسطينيين، بل ويمنح الصهاينة سبباً جديداً للفخر والطمأنينة بأن العرب تخلوا عن اليد التي كان سيفها لهم، وأصبحوا تحت رحمة اليد التي أثكلهم سيفها!

اقرأ أيضًا: حمد بن خليفة: صاحب البيتار لم يلق إلا جزاء سنمار

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button