لبنان.. حق “التطبيع الفردي” مكفول بحماية الدولة! (ملف كامل)

 

صدم لبنان مواطنيه بإعلان إطلاق سراح أخطر جاسوس إسرائيلي تم اعتقاله في البلاد مؤخرا، وهو جعفر غضبوني، الذي وصفه بيان للقوات الأمنية اللبنانية بأنه “أخطر عميل لبناني لإسرائيل”، والذي تم اعتقاله في مطار بيروت الدولي، يوم 6 يونيو من الشهر الجاري، قادما من الولايات المتحدة وحاملا لجواز سفرها.

 

الغضبوني رقيب في سلاح مشاة الجيش الإسرائيلي وخدم في صفوفه لنحو عشر سنوات، وعمل إبان الإحتلال الإٍسرائيلي لجنوب لبنان في جهاز الإستخبارات التابع لجيش العملاء – لحد، ثم غادر تل أبيب عام 1995 إلى كندا ومنها إلى الولايات المتحدة حيث حصل على الجنسية الأمريكية واستقر هناك.

 

لكن العميل جعفر الغضبوني لم يكن الوحيد الذي يتركه القضاء العسكري اللبناني حرّاً بعد كشف علاقته بالاحتلال، فلمفوِّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة فادي عقيقي باعٌ طويل في التهاون مع المشتبه فيهم بالتواصل والتعامل مع العدو الإسرائيلي، إذ إن سلسلة ملفات لموقوفين تواصلوا مع إسرائيليين ودخلوا أراضي العدو عُرِضت على النيابة العامة العسكرية، لكن عقيقي وسلفه بيتر جرمانوس لم يتّخذا أي أجراء بحق أي منهم.

 

خطوة عقيقي هذه لم تكن وليدة اللحظة، بل تُعبّر عن نهجٍ بات سائداً في القضاء العسكري اللبناني، إذ إنّ المدعي العام العسكري، الذي ارتكب فضيحة منذ أسابيع بإطلاقه سراح مشتبهٍ فيه تطوّع للعمل مع الموساد الإسرائيلي، لم يُحاسبه أحد. يومها سارع القضاء العسكري إلى إصلاح الخطيئة بمخالفة قانونية لإعادة توقيف المشتبه فيه مارك ط. الذي لحسن حظ عقيقي وقاضي التحقيق لم يتمكن من التواري عن الأنظار طويلاً.

 

كذلك نشر اللبناني حسين ن. (مواليد ١٩٨٨)، صوراً وتعليقات تدعو إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي. فقد وضع على حسابه على تويتر صورة للعلم اللبناني مضاءً على أحد الأبنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مذيّلاً الصورة بعبارة: «بل نُريدها، نُريد السلام، وتباً لأفكاركم الإيرانية». أوقف في الثامن من كانون الأول عام ٢٠٢٠ ليعترف بأنّه نشرها لكونه يؤيد «السلام مع إسرائيل من خلال اتفاقية تُبرم من جانب الدولة اللبنانية فقط لا غير». لم يتم توقيف حسين ولو ليومٍ واحد. فقد أشار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، فادي عقيقي، بتركه لقاء سند إقامة، وأخذ تعهّد منه بعدم نشر أي صور أو مقالات تدعو إلى التطبيع مع العدو.

 

لم يكن حسين الوحيد الذي يرفض مفوّض الحكومة توقيفه في ملفات كهذه تتعلّق بالدعوة إلى التطبيع مع «إسرائيل». فقد سبق أن أشار بترك اللبناني مازن ر. (مواليد ١٩٧٩) الذي كان يضع «إعجابات» على منشورات الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي. كذلك كان يُبدي إعجابه بمنشورات صفحة «أصدقاء إسرائيل» التي تنشط في مجال لمّ شمل «أصدقاء إسرائيل» في العالم العربي والتواصل معهم للتنسيق والعيش معاً «بعيداً عن الخلافات والحرب».

 

وذكر مازن الذي استُدعي للتحقيق في ١٥ كانون الأول ٢٠٢٠ أنّه يُتابع أخبار الجالية الدرزية المقيمة داخل أراضي العدو بهدف معرفة طبيعة تأقلمهم في العيش مع الصهاينة، علماً بأنّ المحققين وجدوا على صفحته أنّه سبق أن أعاد نشر منشور لمجندة إسرائيلية ولضابط في جيش العدو.

 

وذكر أنّ شخصين إسرائيليين تواصلا معه عبر برنامج للمحادثات، لكنه لم يُجب بسبب عدم معرفته باللغة العبرية، وخشية كشف الأجهزة الأمنية أمره. مجدداً قرر القاضي عقيقي تركه لقاء سند إقامة، بعد تعهده بعدم التكرار.

 

في آذار من العام الحالي، أوقف الأمن العام اللبناني سمير ض. (١٩٧٢) الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والكندية، بعدما تبيّن أنّ لديه تواصلاً مع شخصيات إسرائيلية كندية تابعة لمنظمة صهيونية. وتبين أيضاً وجود اتصالات بينه وبين أرقام تُستخدم من قبل استخبارات العدو الإسرائيلي. ولدى التحقيق معه، ذكر أنّه كان يعمل مزيّناً نسائياً في كندا حيث تعرف إلى شخصيات من أصول إسرائيلية. وأبلغ المحققين أنّه بقي على تواصل معهم، معدّداً بضعة أسماء لشخصيات إسرائيلية. خابر المحققون مفوّض الحكومة عقيقي، ليشير بتركه بسند إقامة بعد التعهّد بعدم التكرار.

 

القصة نفسها تكررت مع القاضي عقيقي. فقد رصد الأمن العام تواصلاً بين اللبنانية لينا ط. (مواليد ١٩٧٨) والإسرائيلي Stef Israel والإسرائيلي البلجيكي Stef Las. ولدى متابعة صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن أنّ ضمن لائحة أصدقائها أيضاً الإسرائيلي Eli Elic Cohen الذي يتفاعل مع منشوراتها. في 12 نيسان 2021، استُدعيت إلى التحقيق، لتعترف بأنّها تتواصل مع «صديق» لها يقيم في تل أبيب، تعرّفت إليه في بلجيكا قبل عشر سنوات، حيث كان يعمل في تجارة الألماس. واعترفت بأنّها ترددت إلى تل أبيب ثلاث مرات لزيارة صديقها وحضور حفل زفاف. المفاجأة أنّه لدى مراجعة المحققين لعقيقي، أشار بتركها بعد تعهّدها خطياً بعدم التواصل مع إسرائيليين وعدم التردد إلى أراضي العدو.

 

قبل عقيقي، كان القاضي بيتر جرمانوس يعتمد النهج نفسه. فقد بيّنت استقصاءات الأمن العام أنّ اللبنانية ليلى ي. (مواليد ١٩٩٤) كانت على علاقة غرامية بشخص إسرائيلي يُدعى Or Bashar تُريد الزواج منه ومعرفة كيفية الذهاب إلى الأراضي المحتلة. عرض عليها أحد الأشخاص السفر إلى دولة أوروبية ومنها إلى «إسرائيل».

 

استُدعيت ليلى إلى التحقيق بتاريخ ٥ شباط ٢٠١٩، لتُقرّ بأنّها تنشط على صفحة Lebanese jewish community council وتواصلت مع العديد من الأشخاص عبرها للسؤال عن طريقة للسفر إلى «إسرائيل» للزواج من حبيبها الإسرائيلي الذي أقنعها بوجوب اعتناق الديانة اليهودية. وتبيّن أنّ لديها صديقين إسرائيليين على صفحتها على فيسبوك هما Itzik Dror وزوجته Eti Avani اللذين تبادلت معهما الأحاديث بشأن الإقامة والعيش في فلسطين المحتلة. 

 

راجع ضباط الأمن العام مفوّض الحكومة آنذاك بيتر جرمانوس الذي أشار بترك صاحبة العلاقة بسند إقامة وأخذ تعهّد خطي منها بعدم التواصل مع أشخاص داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو مع إسرائيليين.

 

تساهل جرمانوس مع ليلى باسم الحب، لكنها لم تكن الوحيدة. فقد قرر جرمانوس ترك اللبناني سميح ق. (مواليد ١٩٩٤) الذي كتب على حسابه على «تويتر» تغريدة دعا فيها إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي وعقد معاهدة سلام معه وشراء السلاح منه قبل أن يحذفها إثر الانتقادات الكبيرة التي تلقّاها من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. أوقف بتاريخ ٧ نيسان ٢٠٢٠ ليُؤكد أنّه كتب العديد من التغريدات المتعلقة بإسرائيل انطلاقاً من اقتناعاته السياسية، معتبراً أنّه يُريد شراء السلاح من «إسرائيل» أسوة بما فعلته أحزاب لبنانية خلال تعاملها العسكري مع العدو. لم يوافق جرمانوس على استمرار توقيفه، بل أشار بتركه فوراً بعد أخذ تعهّد منه بعدم تكرار كتابة تغريدات متعلقة بالكيان الإسرائيلي.

 

مشكلة النيابة العامة العسكرية، والمحكمة العسكرية، ومحكمة التمييز العسكرية، ليست محصورة في التساهل مع التواصل الذي يُصنّفه القضاة بأنه «غير أمني» مع العدو، بل يتعداه إلى التساهل مع من يتطوّع للعمل مع استخبارات العدوّ، وصولاً إلى البحث عن أي ذريعة للتساهل مع عملاء موقوفين ومحكومين، كما مع أولئك الذين فروا من لبنان عام 2000، كالفاخوري والغضبوني. الرسالة التي يوجّهها القضاء العسكري مفادها أن لبنان أرض صالحة للتطبيع مع العملاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى