كاتبة بريطانية: تطبيع مذابح غزة جريمة أخلاقية.. والغضب العالمي لن يصمت إلى الأبد

في مقال تحليلي بالغ التأثير، حذّرت الكاتبة البريطانية من أصل سوداني نسرين مالك من المساعي المتواصلة لتطبيع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، محذّرة من أن “غضبنا الأخلاقي لن يسمح بحدوث ذلك”، رغم محاولات الحكومات الغربية فرض الصمت والخنوع على شعوبها.

مالك، التي تكتب بانتظام في صحيفة الغارديان البريطانية، وصفت العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه يتجاوز كل ما هو متوقّع أو محتمل. فالمجازر اليومية، والدمار الهائل، وصور الأطفال الممزقة، وأشلاء المدنيين التي تُجمع في أكياس بلاستيكية، لم تعد مجرد مشاهد عابرة على شاشات الأخبار، بل كوابيس تترسخ في الذاكرة، تصدم وتشل الإحساس، ولكنها في الوقت ذاته تُفجّر الغضب.

تقول الكاتبة: “في الأسبوع الماضي، رأيت جثة رضيع مقطوعة الرأس، أشلاء بشرية، وسمعت صراخًا من أناس بين الحياة والموت، فيما تلتقط الكاميرات لحظات النهاية لعائلات بأكملها. لم تعد هذه الحرب تُدار في الظلام، لكنها تُراد أن تُقبل كواقع جديد”.

◾ تواطؤ سياسي وغرب عاجز عن الاعتراف

في موازاة هذا المشهد الدموي، تشير مالك إلى أن الغرب لا يُحاول فقط تجاهل ما يجري، بل يسعى بوعي لتطبيعه. إذ تتبع الحكومات الغربية أسلوبين:

  1. التهوين والتبرير: من خلال لغة مملة تدعو إلى “تهدئة” و”مفاوضات”، وكأن ما يجري خلاف بسيط.
  2. التجريم والردع: حيث تُجرّم الدعوة لوقف الحرب، ويُهدد أصحاب الأصوات الحرة بالاعتقال أو الترحيل في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا.

وتلفت إلى أن غزة تحوّلت إلى “حيّز خارج القانون”، لا يُسمح للصحفيين بدخوله، ويُقتل من بداخله، سواء كانوا صحفيين أو مسعفين أو مدنيين. وتؤكد الكاتبة أن الجرائم أصبحت ممنهجة لدرجة دفعت بعض الدول الغربية إلى تعبئة آلية الدولة لقمع الاحتجاجات المؤيدة لغزة، كما يحدث في الجامعات الأميركية والألمانية.

◾ قمع الشهادة.. ومنع الحقيقة

تروي مالك واقعة اغتيال مسعف في الهلال الأحمر الفلسطيني، قتله قناص إسرائيلي بعد أن وثق مشهدًا ينفي المزاعم الإسرائيلية بشأن نشاط مشبوه للمسعفين. تقول: “الرصاصة أصابته في الرأس، وقبل وفاته، طلب من والدته أن تسامحه على موته، لأنه اختار مهنة خطيرة”.

وتسأل الكاتبة: “كم من هذه الجرائم، التي وقعت وجرى دفنها بلا شهود، حدثت دون أن تُوثق، ودون أن يُكذّب أحد رواية إسرائيل الرسمية؟”.

◾ تطبيع القتل بالقوة.. ولكن إلى متى؟

تحذّر مالك من أن إسرائيل، بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية، تحاول أن تؤسس لنظام وحشي يُفرض بالقوة، لا عبر الإقناع. فالدعم الغربي السياسي واللوجستي يهدف إلى جعل الحرب قابلة للقبول، وإن بالقمع.

وتقول: “تواجه واشنطن جامعاتها. وتخوض إدارة ترامب صراعًا مع القانون الأميركي بترحيل الطلاب والأكاديميين. وتشن ألمانيا حربًا صامتة على المتظاهرين. لكنها معركة أخلاقية خاسرة”.

◾ شهادة ضد التطبيع.. ورفض للهزيمة

رغم هذا السواد، تؤكد الكاتبة أن حالة الرفض تتصاعد، وأن المجتمعات لم تعد قابلة للترويض. هناك “حكومة ظل للمساءلة”، تتشكل من أصوات من خارج المؤسسات، لا تزال ترفض التطبيع، وترى في كل جثة وطفل وأم مكلومة، دافعًا للمقاومة.

تختم مالك مقالها برسالة أخلاقية حاسمة:

“ما يحدث في غزة لا يمكن تجاهله أو تبريره أو دعمه. ربما يختار البعض الصمت أو الإنكار، لكنهم لن ينجحوا أبدًا في جعله طبيعيًا. لن ينجحوا في تطبيع المذابح، مهما حاولوا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى