عام على التطبيع الإماراتي-الصهيوني.. أفراح في تل أبيب وخسائر في أبوظبي

عام مر على التطبيع الإماراتي الصهيوني الذي أطلق ما يعرف باتفاقات إبراهام للسلام والذي أطلق موجة تطبيع كانت الإمارات عرابها وضمت إلى جانب أبوظبي كلاً من البحرين والمغرب والسودان، وبات من الممكن رصد مكاسب وخسائر الإمارات من التطبيع، وهل حقق ما كانت ترنو إليه أبوظبي من تبوء للقيادة في المنطقة.
وتُوجت هذه الموجة من التطبيع بتوقيع اتفاقیات لتطبیع العلاقات بین الامارات والكيان الصهيوني وبين البحرين أيضًا في البيت الأبيض، في 15 سبتمبر/أيلول 2020، بحضور واحتفاء من الرئيس الأمريكي السابق اليميني دونالد ترامب.
وخلال هذا الاحتفال، وقَّعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية سلام لإقامة علاقات شاملة، فيما وقعت البحرين وإسرائيل إعلان تأييد السلام؛ تمهيداً لاتفاق سلام بينهما، بمشاركة ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيري الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد والبحريني عبداللطيف الزياني.
وكان أبرز أهداف اتفاقيات إبراهام هو تمرير ما يعرف بصفقة القرن والتي رغم غموضها فإن هدفها الأرجح نزع معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، مع احتمال منح الفلسطينيين بلدة حول القدس يمكن أن يطلقوا عليها القدس، وألمحت تقارير إلى إمكانية السماح بحرية العبادة في الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في القدس دون سيادة فلسطينية عليها مع ورود تقارير عن توجه للمساس بالوصاية الهاشمية على المقدسات بالقدس بما في ذلك احتمال مشاركة سعودية بها.
ولكن الواقع أن الصفقة جوبهت بانتقادات من أغلب الأطراف المعنية بما في ذلك الدوائر الدبلوماسية الغربية والدولية، ورفض شديد من قبل السلطة الفلسطينية التي انتقدت الإمارات، وكذلك الفصائل الفلسطينية، والجامعة العربية لم تتبنَّها.
كما لوحظ أنه بعد خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم تتبنَّ الإدارة الديمقراطية الصفقة، حتى لو لم تتراجع عن قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، كما أن إدارة بايدن أعادت بعض المساعدات التي كانت أوقفتها إدارة ترامب، وأعادت التواصل مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس كما بدا خلال حرب غزة، وبذلك فشلت محاولة الإمارات وإسرائيل لإيجاد بديل لعباس مثل القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان المقرب للإمارات.
كما أعادت إدارة بايدن التأكيد على دور الأردن الذي كان يعتقد أن الصفقة تستهدفه عبر تهميش دوره في القضية الفلسطينية وخاصة ما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات، إضافة إلى جعله وطناً بديلاً للاجئين الفلسطينيين عن أرضهم.
وقلب فوز بايدن الأمور رأساً على عقب في رام الله، وشجع السلطة على الضغط والتنسيق مع دول مؤثرة من أجل إطلاق مؤتمر دولي تحضره الرباعية الدولية ودول أخرى، بهدف تشكيل آلية متعددة الأطراف لرعاية مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على قاعدة الشرعية الدولية المستندة إلى قرار مجلس الأمن 1515، الذي ينص على أن الأرض الفلسطينية هي الأرض المحتلة عام 1967. ويفترض أن تنضم كل من الأردن ومصر، مبدئياً، للرباعية الدولية، من أجل ترتيب ومحاولة دفع مفاوضات جديدة بين الطرفين.
وكان أحد أهداف الإمارات الرئيسية من التطبيع والتحالف مع ترامب هو التقارب مع حليفتها واشنطن بشكل أكبر. ومع أن الإمارات حليف مهم للولايات المتحدة، إلا أنه خلال السنوات الماضية، أظهر تقارب أبوظبي مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره ومستشاره غاريد كوشنر، أن الإمارات أصبحت قريبة أكثر مما ينبغي من الدوائر اليمينية الأمريكية، وهو ما جعل علاقتها المميزة أكثر ترتبط بالجمهوريين، فيما بدا أن الديمقراطيين غير مرتاحين لذلك.
فالاستقطاب الشديد الذي سببه ترامب في المجتمع الأمريكي برمته جعل كل ما يرتبط به يكتسي طابعاً سلبياً، وهو أمر دفعت ثمنه جزئياً إسرائيل الطفلة المدللة لأمريكا عبر تقارب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لترامب، وقد ظهرت خسائر هذه السياسة خلال حرب غزة، حيث ظهر تعاطف غير مسبوق بين الديمقراطيين مع الفلسطينيين، ووجهت انتقادات نادرة لإسرائيل.
ولا تخفي الإمارات سعيها لتوسيع نفوذها الإقليمي في العالم العربي والمناطق المحيطة به، وهو نفوذ وصل إلى الحديث عن إمبراطورية بحرية تركز على السيطرة على المناطق الساحلية والموانئ عسكرياً واقتصادياً. ولكن من الواضح أن هذا النفوذ قد تآكل في السنوات الأخيرة وخاصة خلال عامي 2020 /2021 أي بالتزامن مع التطبيع الإماراتي مع إسرائيل.
ورغم أنه ليس هناك علاقة سببية ضرورية بين التراجع في النفوذ الإماراتي والتطبيع إلا أنه يمكن القول إن التطبيع لم يؤد إلى منع هذا النفوذ من الانحسار بقدر ما عقد الأمر لأبوظبي. فلقد تعرض حليفها حفتر لهزيمة مدوية في ليبيا، جراء حملة قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، ولم تفعل إسرائيل لها شيئاً، بل على العكس قد يكون التطبيع الإماراتي والحديث عن بدائل قناة السويس سبباً لتعقيد العلاقة بين مصر والإمارات في ليبيا؛ الأمر الذي أضعف نفوذ أبوظبي هناك، حيث يعتقد على نطاق واسع أن القاهرة باتت توسع نفوذها على حساب الإمارات في الشرق الليبي، وتقيم اتصالات أقوى مع مكونات الغرب الليبي، وفي كل الأحوال خطت القاهرة طريقها الخاص في ليبيا لأسباب متعددة من بينها التوتر الخفي مع الإمارات.
وفي القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، باتت علاقات القاهرة أقوى مع الخرطوم خاصة مع وجود قلق مشترك لدى الجانبين من سد النهضة، بينما بدأ ينظر للدور الإماراتي والإسرائيلي بشكل سلبي في الأزمة من قبل القاهرة، حيث كانت الإمارات إحدى الدول العربية القليلة التي لم تؤيد موقف مصر والسودان في الأزمة، كما أنها أرسلت بعد تهديد السيسي باللجوء لحل عسكري في الأزمة مساعدات لإثيوبيا؛ مما عقد العلاقات المصرية-الإماراتية.
وبصفة عامة يعتقد أن العلاقات الوثيقة مع اسرائيل بما في ذلك مشاريع التنسيق الامني في البحر الاحمر من العوامل التي أقلقت القاهرة وجعلتها تخفف وتيرة تحالفها مع أبوظبي.