زيارة التطبيع المقنّعة.. كيف تحاول إسرائيل استغلال دروز سوريا لشرعنة احتلال الجولان؟

شهدت الساحة السياسية والإعلامية مؤخرًا جدلًا واسعًا بعد عبور وفد يضم حوالي 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية إلى إسرائيل، في أول زيارة معلنة منذ حوالي 50 عامًا. تأتي هذه الخطوة في سياق استراتيجي تسعى من خلاله إسرائيل إلى تعزيز نفوذها في الجولان السوري المحتل، مستغلة الانقسامات الداخلية والطابع الديني للزيارة لشرعنة الاحتلال وتكريس التطبيع مع فئات من المجتمع السوري.

يهدف هذا التقرير إلى تحليل أبعاد هذه الزيارة من زاوية مناهضة التطبيع، وتسليط الضوء على تداعياتها السياسية والاجتماعية، وأهداف إسرائيل من هذه الخطوة، في ظل سياق أوسع من محاولات فرض الأمر الواقع في الجولان السوري المحتل.

أولًا: الخلفية التاريخية للعلاقة بين دروز سوريا وإسرائيل

يعيش في الجولان السوري المحتل عدد من الدروز الذين رفضوا التجنيس الإسرائيلي رغم احتلال إسرائيل للمنطقة منذ عام 1967، وتمسكوا بانتمائهم إلى سوريا. كما أن دروز سوريا عمومًا كانوا تاريخيًا جزءًا من النسيج الوطني السوري، ورفضوا بشكل قاطع أي محاولات إسرائيلية لاختراقهم سياسيًا أو دينيًا.

وعلى مدار العقود الماضية، استخدمت إسرائيل أساليب متعددة لاستمالة أبناء الطائفة الدرزية، سواء عبر تقديم بعض الامتيازات لمواطنيها الدروز أو محاولة استقطاب بعض القيادات الدينية من خارج حدودها. ومع ذلك، بقي الموقف العام لدروز سوريا والجولان رافضًا لأي شكل من أشكال التطبيع أو التعاون مع الاحتلال.

ثانيًا: تحليل الزيارة في سياق التطبيع الإسرائيلي

1- استغلال العامل الديني في تمرير التطبيع

تحاول إسرائيل تصوير الزيارة على أنها “زيارة دينية بحتة” إلى مقام النبي شعيب في الجليل، لكن الواقع يشير إلى أن هذه الخطوة تحمل أبعادًا سياسية واضحة. فالدين غالبًا ما يُستخدم كأداة في عمليات التطبيع، بهدف إضفاء شرعية دينية على العلاقة مع الاحتلال، وإبعادها عن أي بعد سياسي قد يُثير غضب الجماهير العربية.

2- ترويج إسرائيل لنفسها كحامٍ للأقليات

لطالما استخدمت إسرائيل خطاب “حماية الأقليات” كمبرر لسياساتها التوسعية والتدخلية في دول المنطقة، وتسعى من خلال هذه الزيارة إلى إظهار نفسها كطرف داعم للطائفة الدرزية، في محاولة لتفكيك الموقف الوطني المتماسك لأبناء الجولان ودروز سوريا.

3- توظيف الزيارة كأداة دعائية

تزامنت الزيارة مع تصريحات إسرائيلية رسمية وإعلامية تحاول تقديم هذه الخطوة كـ “دليل” على انفتاح المجتمع الدرزي على إسرائيل، في حين أن الحقائق على الأرض تشير إلى رفض واسع لهذه الزيارة، سواء من قبل أهالي الجولان السوري المحتل أو دروز سوريا أنفسهم. البيان الصادر عن أهالي بلدة حضر يؤكد على أن هذه الزيارة مدعومة من جهات موالية للاحتلال، ولا تعبر عن الموقف العام للطائفة.

4- محاولة فرض واقع جديد في الجولان السوري المحتل

تشير تقارير عديدة، مثل تقرير صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن إسرائيل تخطط لإقناع دروز سوريا برفض الحكومة السورية والمطالبة بحكم ذاتي، وهو ما يتماشى مع مساعيها لتكريس الاحتلال وإضعاف الدولة السورية عبر تقسيمها إلى كيانات طائفية متناحرة. لذلك، فإن هذه الزيارة لا يمكن عزلها عن هذه المخططات، بل تُعد خطوة أولية لخلق مساحات من “القبول” بين بعض الدروز وإسرائيل، وهو ما يتطلب موقفًا حاسمًا لمواجهته.

ثالثًا: التداعيات السياسية والاجتماعية للزيارة

1- تعزيز الانقسام داخل الطائفة الدرزية

تسببت الزيارة في انقسام واضح داخل الطائفة الدرزية، حيث عبّرت العديد من الجهات عن رفضها القاطع لهذه الخطوة، معتبرة أنها تصب في خدمة الاحتلال الإسرائيلي. كما أن هذه الزيارة قد تؤدي إلى خلق حالة من التوتر الداخلي بين المشايخ الذين شاركوا في الزيارة وأولئك الذين يرفضون أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

2- تشويه الموقف الوطني لدروز الجولان وسوريا

رغم أن الوفد الزائر لا يمثل إلا شريحة صغيرة، فإن إسرائيل تستغل الحدث لتقديم صورة مشوهة عن الموقف الدرزي العام، مدعية أن هناك انفتاحًا تجاهها. هذا قد يضع أبناء الجولان تحت ضغط إعلامي وسياسي مكثف، حيث ستُستخدم هذه الزيارة كأداة ضغط للتأثير على مواقفهم الرافضة للاحتلال.

3- إعطاء ذريعة لإسرائيل لمواصلة سياسات الضم والتوسع

في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بسبب احتلالها للجولان، تحاول تل أبيب استغلال مثل هذه الزيارات لإظهار أن هناك فئات محلية “تتعامل معها بمرونة”، مما قد يمنحها غطاءً سياسيًا إضافيًا لمواصلة ضم الجولان ومحاولة فرض الاعتراف الدولي بسيادتها عليه.

رابعًا: الموقف المطلوب لمناهضة التطبيع

لمواجهة هذه الخطوة التطبيعية، هناك عدة مسارات يجب اتخاذها:

  1. إدانة رسمية وشعبية واسعة لهذه الزيارة، عبر بيانات من الشخصيات والهيئات الدرزية والوطنية الرافضة للتطبيع، وإبراز أن الوفد لا يمثل الطائفة الدرزية عمومًا.
  2. تكثيف التوعية الإعلامية حول خطورة مثل هذه الزيارات، وفضح الأجندة الإسرائيلية التي تسعى لاستخدام الدين لتبرير التطبيع.
  3. التأكيد على هوية الجولان السوري المحتل ورفض أي محاولات لفصله عن سوريا، مع التركيز على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض السورية.
  4. التحرك دبلوماسيًا لفضح المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى تقسيم سوريا عبر استغلال مكونات المجتمع، وطرح القضية في المحافل الدولية باعتبارها جزءًا من مشروع استعماري طويل الأمد.

تشكل زيارة الوفد الدرزي السوري إلى إسرائيل سابقة خطيرة تستوجب رد فعل حازمًا، كونها تُستخدم كأداة للتطبيع وتكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان. وبينما تحاول إسرائيل استغلال العامل الديني للترويج لوجود “علاقات طبيعية” مع بعض الفئات السورية، فإن الموقف الشعبي والوطني لا يزال رافضًا لمثل هذه الخطوات، وهو ما يجب تعزيزه من خلال تكثيف الجهود الإعلامية والسياسية لمواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى فرض التطبيع كأمر واقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى