تطبيع الاستيطان.. الإمارات تفتح أبواب الخليج أمام قادة المستوطنات الإسرائيلية

من التطبيع السياسي إلى تطبيع الاحتلال

في تحول غير مسبوق، استقبلت دولة الإمارات وفدًا رفيعًا من قادة المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وُصفت بأنها بداية “تطبيع الاستيطان” مع العالم العربي. هذه الزيارة، التي تمت خلال شهر رمضان، لا تمثل فقط تقاربًا سياسيًا، بل تؤسس لمرحلة جديدة من الشرعنة الإقليمية لمشروع استيطاني طالما اعتبر جريمة حرب في القانون الدولي.

قادة الاستيطان في عقر دار الخليج

استضافة أبوظبي للوفد – الذي ضم رؤساء مجالس استيطانية يتبعون لما يسمى “مجلس يشع” – حملت دلالات رمزية عميقة، خاصة أنها المرة الأولى التي يزور فيها قادة استيطان دولة عربية، ويجلسون إلى جانب مسؤولين حكوميين ومؤثرين ورجال أعمال.

اللافت أن هذه الزيارة لم تأتِ بدعوة إسرائيلية، بل بترتيب إماراتي مباشر، كما شارك في اللقاء الدكتور علي راشد النعيمي، أحد أبرز مهندسي التطبيع الإماراتي مع إسرائيل.

تحول استراتيجي: من دعم الدولة الفلسطينية إلى تجاوزها

بينما لا تزال دول عربية عديدة تصرّ رسميًا على “حل الدولتين” وقيام دولة فلسطينية، تكشف هذه الخطوة عن انحراف خطير في البوصلة الدبلوماسية الخليجية. فوفقًا لما نشرته يديعوت أحرونوت، فإن قادة المستوطنين يسعون من خلال هذه الزيارات إلى إقناع العواصم الخليجية—وخاصة السعودية—بأن السلام مع إسرائيل لا يستدعي بالضرورة إنهاء الاحتلال أو تفكيك المستوطنات.

في هذا الإطار، يتم إعادة إنتاج خطاب “السلام الإقليمي دون الفلسطينيين”، مع الترويج لفكرة استبدال السلطة الفلسطينية بهياكل حكم محلية تحت إشراف أمني إسرائيلي.

📈 الاستيطان يتسارع.. والدبلوماسية الخليجية تبارك

الزيارة جاءت متزامنة مع بيانات رسمية إسرائيلية تُظهر تسارعًا كبيرًا في وتيرة الاستيطان:

من يناير حتى منتصف مارس 2025، تم الترويج لبناء أكثر من 10,500 وحدة استيطانية، مقارنة بـ 3,400 فقط في الفترة ذاتها من 2024.

هذه القفزة تعكس دعمًا غير معلن من حلفاء إسرائيل الجدد، حيث باتت شرعية المستوطنات تتسلل إلى المشهد العربي الرسمي، بعد أن كانت لعقود محورًا للتنديد والمقاطعة.

💼 اقتصاد التطبيع: بوابة المستوطنين للخليج

منذ توقيع “اتفاق إبراهام”، عمل قادة الاستيطان، وعلى رأسهم يوسي دغان، على بناء علاقات اقتصادية وتجارية مع شركات إماراتية. الهدف هو واضح: دمج المستوطنات في الاقتصاد الإقليمي، وكسر الحصار السياسي والأخلاقي المفروض عليها.

بذلك، تصبح الاستثمارات الخليجية شريان حياة للمشروع الاستيطاني، في ظل تراجع الدعم الدولي، واتساع حملة المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية (BDS) ضده.

تفكيك السلطة الفلسطينية؟

وفق تسريبات صحفية، يجري الآن نقاش داخلي في إسرائيل حول نموذج بديل للسلطة الفلسطينية، يتمثل في تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق “إدارة محلية فلسطينية” تحت وصاية الاحتلال. وتشير مصادر إلى أن نموذجًا تجريبيًا لهذا التصور يتم التحضير له حاليًا في محافظة الخليل.

مثل هذا النموذج سيكون ممكنًا فقط إذا كُسر الدعم العربي الرسمي لفكرة الدولة الفلسطينية، وهو ما قد تكون الإمارات تمهد له من خلال فتح خطوط مباشرة مع قادة الاستيطان.

إعادة هندسة السلام على أسس احتلالية

تبدو زيارة قادة المستوطنات إلى أبوظبي أكثر من مجرد لقاء رمضاني؛ إنها جزء من تحالف استراتيجي جديد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث تتحول المستوطنات من “عقبة أمام السلام” إلى “شريك إقليمي”.

تطبيع الاستيطان، إذا استمر، سيعني أن القبول العربي بإسرائيل لم يعد مشروطًا بتنازلات، بل يتم الآن بشروط إسرائيلية بالكامل، وبأدوات استيطانية، ما ينذر بنهاية الإجماع العربي حول فلسطين، ويفتح الباب أمام واقع أكثر ظلمة للفلسطينيين على الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى