تركيا تتحدى تل أبيب.. لا تطبيع قبل وقف النار في غزة

في خطوة تحمل أبعادًا سياسية عميقة ورسائل متعددة الاتجاهات، أعلنت تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان قطع علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل، واضعة وقف إطلاق النار في غزة شرطًا أساسيًا لأي تطبيع مستقبلي. هذه الخطوة تعكس تحوّلًا ملحوظًا في السياسة التركية، وتعيد أنقرة إلى واجهة المشهد الإقليمي كفاعل يسعى لتوازنات جديدة في ظل احتدام الحرب على غزة واستمرار التصعيد الإسرائيلي.

أولًا: موقف تركيا من التصعيد الإسرائيلي على غزة

خلال مقابلة مع قناة “CNN TÜRK”، قال وزير الخارجية التركي إن بلاده لا يمكنها استئناف أي علاقات مع إسرائيل طالما لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وذهب فيدان أبعد من ذلك عندما اعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدى الإرادة الدولية بدعم مباشر من الولايات المتحدة، داعيًا واشنطن إلى التدخل والضغط على تل أبيب لوقف المجازر.

▪️ هذا التصريح الحاد يعكس نقلة نوعية في الخطاب السياسي التركي، الذي كان يميل إلى التوازن في علاقاته مع إسرائيل رغم الخلافات الظاهرة في بعض الفترات.

▪️ وبقطع العلاقات، تكون تركيا قد وجهت رسالة قوية إلى إسرائيل والعالم مفادها أن المصالح الاقتصادية والسياسية لا يمكن أن تُقدّم على حساب المبادئ الأخلاقية والإنسانية، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ثانيًا: ما وراء الخطوة التركية

من الواضح أن موقف أنقرة ليس فقط استجابة للعدوان المتواصل على غزة، بل هو جزء من استراتيجية إعادة تموضع إقليمي ودولي لتركيا، تسعى من خلاله إلى:

  1. استعادة دورها القيادي في العالم الإسلامي بعد تراجع نسبي خلال السنوات الأخيرة.
  2. استثمار الموقف الشعبي العربي والإسلامي الرافض للتطبيع مع الاحتلال في تعزيز صورة تركيا كداعم رئيسي لحقوق الفلسطينيين.
  3. التمايز عن الدول العربية المطبعة، خاصة في لحظة تتجه فيها بعض العواصم نحو تطبيع أعمق مع إسرائيل رغم تصاعد العدوان على غزة.

ثالثًا: سوريا تعود إلى أجندة أنقرة

اللافت أن تصريحات فيدان لم تقتصر على فلسطين، بل شملت الملف السوري أيضًا، حيث أكد أن تركيا بدأت التواصل المباشر مع النظام السوري، وتسعى إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، خصوصًا في الجولان.

▪️ كما دعا إلى رفع العقوبات الغربية عن سوريا، مؤكدًا تعاونًا ناشئًا مع الحكومة السورية في ملفات أمنية ومكافحة الإرهاب.
▪️ هذا التطور يعكس تحولًا جديدًا في السياسة التركية تجاه سوريا، بعد سنوات من القطيعة والصراع السياسي.

رابعًا: العلاقات التركية الأمريكية في مرحلة اختبار

في خضم هذه التحولات، كشف فيدان عن تحضيرات لعقد لقاء قريب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب، في وقت تسعى فيه تركيا إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بموجب قانون “كاتسا”.

▪️ يشير هذا إلى أن أنقرة ما زالت تحافظ على شعرة معاوية في علاقاتها مع واشنطن، وتسعى للضغط باتجاه إعادة التوازن في العلاقة دون التنازل عن مواقفها الإقليمية المستجدة، وخاصة في الملف الفلسطيني.

خامسًا: قراءة في أبعاد الموقف التركي

  1. الرسالة لإسرائيل: تركيا لن تتراجع دون ثمن سياسي وإنساني واضح، وهو وقف العدوان على غزة، وقد تعني هذه المقاطعة خسائر تجارية معتبرة للطرفين، لكنها تحمل طابعًا رمزيًا كبيرًا.
  2. الرسالة للعرب: أنقرة تضع نفسها مجددًا في موقع الدولة المدافعة عن قضايا الأمة، وسط صمت أو تواطؤ عربي رسمي مع الاحتلال.
  3. الرسالة للمجتمع الدولي: على الدول الكبرى أن تتوقف عن دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية إذا أرادت الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط.

سادسًا: التداعيات المحتملة

  • اقتصاديًا: من المتوقع أن تتأثر بعض القطاعات التجارية بين أنقرة وتل أبيب، لا سيما في مجالات التكنولوجيا والزراعة.
  • دبلوماسيًا: ستتجه تركيا على الأرجح إلى حشد دعم دولي لموقفها، خاصة من دول الجنوب العالمي.
  • إقليميًا: قد تعيد هذه الخطوة خلط الأوراق في ملف التطبيع، وتدفع دولًا أخرى إلى مراجعة علاقاتها مع إسرائيل.

تركيا اليوم ليست فقط تدين العدوان الإسرائيلي، بل تتخذ خطوات عملية غير مسبوقة في سياق دعمها للقضية الفلسطينية. والموقف التركي الذي يربط التطبيع بوقف إطلاق النار يضع تحديًا أمام إسرائيل وحلفائها، ويعزز موقع أنقرة الإقليمي كقوة سياسية تسعى لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى