بطلة جديدة رفضت الخيانة.. كيف أقالت البحرين وزيرة من العائلة الملكية بسبب رفضها التطبيع مع الاحتلال؟
اصطف طابور طويل من عشرات الموظفين في هيئة البحرين للثقافة والآثار لوداعها بعد إقالتها من منصبها بعد أنباء ذكرت أنها أقيلت من منصبها لرفضها أن تصافح سفير الاحتلال الإسرائيلي. وخاضت معارك إعلامية وثقافية عديدة في البحرين في وزارتها ومشاريعها والمهرجانات التي أقامتها، وكان يقال إن انتماءها إلى الأسرة الحاكمة يساعدها في إدارة معاركها، إلا أنها على عكس ذلك تقول: “كوني من الأسرة ظلمني كثيرا”.
تمتلك ذائقة ثقافية وأدبية رفيعة، وكانت من الداعمين لمشروع فلسطين الثقافي. والشيخة مي بنت محمد آل خليفة هي أحد أفراد العائلة الحاكمة في البحرين، حاصلة على شهادات من بريطانيا آخرها الماجستير في التاريخ السياسي من جامعة شيفيلد، وهي كاتبة مختصة في البحوث التاريخية لنحو 30 عاما. ومنصبها الرسمي الأول كان في عام 2002، بتعيينها وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام، ثم ترأست بعد ذلك وزارة الإعلام والثقافة بين عامي 2008 و2010. ووزارة الثقافة ما بين عامي 2010 و2014، وتعد أول امرأة تتقلد منصب وزير إعلام داخل دول مجلس التعاون الخليجي العربي.
ورغم أن الشيخة مي لم تعلن عن أسباب إقالتها من منصبها الرفيع، إلا أن تقارير رجحت أن يكون الأمر “متعلقا بمسألة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل”. ووفقا للعديد من التقارير الإخبارية العربية والإسرائيلية فإن أسباب إقالة الوزيرة ترجع لرفضها مصافحة السفير الإسرائيلي في البحرين. والموقف وقع الشهر الماضي، وقد أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية من بينها صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية التي قالت بأن الشيخة مي رفضت مصافحة السفير الإسرائيلي لدى البحرين إيتان نائيه خلال مراسم دفن والد السفير الأمريكي لدى المنامة، في 16 حزيران/ يونيو الماضي. ونقلت الصحيفة أن الوزيرة غادرت منزل السفير الأمريكي وطلبت عدم نشر أي صور لها في العزاء. لكن مطلعون على الشأن البحريني يعتقدون أن تكون آراء ومواقف الوزيرة “المتمردة” سببا في إقالتها أيضا. فقد عددت التقارير الصحفية التي نشرت في الأيام الماضية مجموعة من الأحداث تعكس موقف الوزيرة الرافض للتطبيع.
فقد استضاف مركز الشيخ إبراهيم ،الذي تديره الشيخة مي، المؤرخ والمفكر اليهودي إيلان بابيه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الذي اعتبر أن الحل المستقبلي المنشود يتمثل في إلغاء الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني لفلسطين، واعتبر البعض ذلك ضربة لجهود التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وردا على هذه تقارير إقالة الشيخة مي، فقد نفى مصدر مسؤول بمركز الاتصال البحريني الرسمي صحة التفسيرات التي ربطت بين إقالة الوزيرة ووجود السفير الإسرائيلي.
وحذر المصدر ذاته من إتباع التأويلات والتفسيرات الخاطئة بشأن التعديل الوزاري الأخير والذي طال مناصب قيادية عدة. وأضاف بأن “استبدال الوزيرة جاء في إطار تعديل وزاري واسع شمل 17 منصبا وزاريا’. وفي 21 تموز/ يوليو الحالي، صدر مرسوم بتعيين الشيخ خليفة بن أحمد بن عبد الله آل خليفة رئيسا لهيئة البحرين للثقافة والآثار دون التطرق إلى إقالة الشيخة مي. ورغم تضارب التفسيرات ونفي مركز الاتصال، شارك العديد من السياسيين والناشطين العرب منشورات أعربوا فيها عن دعمهم للوزيرة السابقة.
فمنهم من وصفها بـ “القدوة وبالمخلصة لعروبتها” في حين اعتبرها البعض الآخر “أشجع من الحكومات العربية التي هرولت للتطبيع مع إسرائيل” . بينما اكتفى آخرون بالإشادة بإنجازاتها للتعريف الثقافة والتراث البحريني. وكانت عدة شخصيات وفصائل سياسية فلسطينية وخليجية وعربية قد سارعت للإشادة بالوزيرة البحرينية. وكانت رسالة الشاعرة الكويتية الكبيرة سعاد محمد الصباح التي وجهتها للشيخة مي من بين الإشادات الأكثر تأثيرا فقد خاطبتها قائلة: “في الحياة إضاءات لا تتكرر، ومواقف لا تقبل اللون الرمادي.. تلك التي ندفع ثمنها بسعادة لا نظير لها.. واليد التي لا تصافح في المواقف التي تستوجب الامتناع، هي التي علينا أن نقبلها”.
ومقابل هذا الاحتفاء الواسع، انتقد البعض ما اعتبروه محاولة لـ “تشويه الحكومة البحرينية وتضليل الرأي العام العربي بالترويج بأن موقف الشيخة من إسرائيل يقف وراء إقالتها من منصبها”. وكانت الشيخة مي قد رفضت “تهويد أحياء قديمة في العاصمة البحرينية”، ورفضت السماح لمستثمرين يهود بتشييد حي يهودي من باب البحرين حتى الكنيس اليهودي في المنامة، بحسب تقارير صحفية.
الشيخة مي اكتفت بتغريدة غامضة على “تويتر” بعد خروجها من المنصب “من القلب ألف شكر لكل رسالة وصلتني، وحدها المحبة تحمينا وتقوّينا”، هكذا عبرت عن شكرها وامتنانها لكل من تضامن معها عقب إقالتها من منصبها. والشيخة مي مؤلفة لعدة كتب ومن مؤلفاتها: “عبد الله بن أحمد: محارب لم يهدأ”، “تشارلز بلغريف: السيرة والمذكرات”، “مائة عام من التعليم النظامي في البحرين، السنوات الأولى للتأسيس”، “القرامطة من فكرة إلى دولة”، “سبزآباد ورجال الدولة البهية، قصة السيطرة البريطانية على الخليج”، “محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي”، “مع شيخ الأدباء في البحرين، إبراهيم بن محمد الخليفة”.
في جميع الأحوال خسرت مي آل خليفة المنصب لكنها ربحت نفسها، وربما سيبقى الممر الشرفي الطويل الذي شكله الموظفون فور دخول الرئيسة السابقة لمقر هيئة البحرين للثقافة والآثار ، جزء من تاريخ سيتذكره العرب كرسالة رافضة للتطبيع رغم ضغوط الحكومات العربية لإنجاح هذا المسار المرفوض شعبيا.