البرهان وخدعة المساومة على التطبيع

ليس من الغريب أن يكون على رأس القائمة السوداء للمطبعين مع الكيان الاسرائيلي الغاصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، الذي ما فتئ يبيع ذمته باسم الشعب السوداني ليعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتضييق الحصار على الشعب الفلسطيني، وكذلك للجيش السوداني -الذي شارك في حرب فلسطين 1948م وحرب أكتوبر 1973م ضد (إسرائيل)- للمشاركة في الحرب مع الكيان المحتل.

مؤخرا صرح ممثلون عن السودان أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لَوَّح خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو بالانسحاب من اتفاق التطبيع مع إسرائيل إذا ما لم يوافق الكونغرس، في نهاية الشهر الجاري على القانون الذي يمنح السودان حصانة من الدعاوى القضائية التي يقدمها عائلات ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
هذه التصريحات لا تخفي هرولة البرهان لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، كما أن محاولته الظهور في صورة القائد الشجاع الذي يسعى للي ذراع أمريكا هي مسرحية سيئة الإخراج، حيث حصل البرهان على ما يبدو على تطمينات سرية للاستجابة على مطلب الحصانة.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الثلاثاء، عن شخص قالت إنه مطلع على المحادثة الهاتفية بين البرهان وبومبيو، أن “بومبيو طمأن البرهان بأن خطة الحصانة سيتم الموافقة عليها في الأسابيع المقبلة”.
ووفقًا للصحيفة، فإن إدارة ترامب تخطط فعلا لعقد حفل توقيع رسمي للاتفاق بين السودان وإسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر بالبيت الأبيض.
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت الخرطوم، على لسان البرهان، تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في وصمة عار في سجل الحكومة السودانية، التي لطالما دعمت الشعب الفلسطيني في صراعه ضد الكيان المحتل.
وقد تبجح البرهان بشكل علني باتفاق التطبيع ووصفه بـ “التاريخي”، وذلك بعد ضغط من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، لتلحق السودان بالإمارات والبحرين اللتان وقعتا اتفاق تطبيع مع تل أبيب في سبتمبر/أيلول الماضي.
واعتبر رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مصلحة بلاده، زاعما أن هذا الإجراء دعمته 90% من القوى السياسية بالسودان.
وأشار البرهان عبر “تلفزيون السودان” في شهر أكتوبر/تشرين الأول إلى أن اقامة العلاقات مع إسرائيل هي ضرورة وطنية تصب في مصلحة السودان، لذلك يجب أن تتقدم على أي مصلحة أخرى، مضيفاً: “نريد تغيير النظرة لبلادنا عبر السعي لمصالحنا وعدم معاداة أحد”.
كما شدد البرهان على أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يجعل المجتمع الدولي يتعامل مع السودان “كدولة سوية”.
وفي محاولة منه لتمييع قضية التطبيع، صرح البرهان بأن “التطبيع مع إسرائيل يعني عودة العلاقات إلى طبيعتها والطبيعة ليس بها عداء ولا نريد مع جميع الأنظمة مبدأ العداء، ونسعى للبحث عن مصالحنا ونريد مصلحة السودان فقط”.
وادعى البرهان إنه أجرى مشاورات مع رئيس “حزب الأمة القومي” الصادق المهدي، ورئيس “حزب البعث” علي الريح السنهوري بشأن تطبيع علاقات السودان مع إسرائيل، لافتا إلى أنهما لم يبديا اعتراضا.
وقال البرهان، في مقابلة مباشرة مع التلفزيون الرسمي إن السلوك العدائي للدولة تجاه الأديان كان سبباً في إدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، مضيفا أن التمييز الديني كان عائقاً لإزالة السودان من القائمة السوداء.
كما تحدى البرهان كل الأحزاب السودانية أن ترفع شعارات تدعو لمقاطعة أمريكا وإسرائيل في حملتها الانتخابية.
وفي إشارة إلى الإمارات والبحرين، قال إن الدول الخليجية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل لم تمارس ضغوطا على السودان كي يطبع علاقاته مع إسرائيل، وقد “بادرنا كعسكريين إلى التطبيع مع إسرائيل ثم تشاورنا داخل مجلسي السيادة والوزراء”.
من ناحية أخرى، أثارت تصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي غضباً واسعا واحتجاجات عارمة من بني جلدته، كما فند العديد من القادة في السودان مزاعمه بشأن موافقة القوى السياسية على جريمة التطبيع.
وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان، صديق تاور، إن قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل “اتخذه رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، بشكل فردي”.
وأوضح تاور أن “الحديث عن اتفاق مجلسي السيادة والوزراء على قرار التطبيع عار من الصحة”، كما أضاف أن “التطبيع تم بشكل فردي من البرهان وحمدوك، ولم يتم عبر المؤسسات الرسمية”.
تكمن خطورة تصريحات البرهان أنه بعد ساعات قليلة فقط من إعلان التطبيع مع إسرائيل، أصدرت الاستخبارات الإسرائيلية تقريرا منشورا يعدد المصالح الإستراتيجية والعسكرية لهذه الخطوة، وهو ما يبرز الخطورة الحقيقية للتطبيع، حيث تعتبر السودان أحد الدول الرئيسية التي تدعم المقاومة الفلسطينية في صراعها ضد الاحتلال، وهو ما تسعى إسرائيل إلى تغييره بفرض واقع جديد لتضييق الحصار على غزة وخلق معادلة أمنية واستخبارتية تخدم مصالحها الإقليمية بتواطئ من عملاء عرب أمثال البرهان، حتى أن وزير الاستخبارات الإسرائيلي “إيلي كوهين” قال أنه “سيترأس شخصيًّا الوفد الإسرائيلي بعد التوقيع الرسمي على اتفاق السلام مع السودان”.
اقرأ أيضًا: سامح شكري.. سفير السلام الدافئ مع الاحتلال الإسرائيلي