إسرائيل تلاحق التطبيع في لبنان.. مشروع فاشل يصطدم بالحدود والمقاومة والسيادة

تقرير تحليلي مفصل:
في ظل موجة التطبيع العربي المتصاعدة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي بلغت ذروتها مع توقيع اتفاقيات “أبراهام”، تُظهر تل أبيب اهتمامًا خاصًا بدفع لبنان نحو مسار مشابه، رغم إدراكها العميق لتعقيدات الساحة اللبنانية وممانعتها التاريخية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا تسعى إسرائيل إلى التطبيع مع لبنان؟ وما الذي يجعل بيروت تختلف جذريًا عن بقية الدول العربية التي سارعت إلى توقيع الاتفاقيات؟
لبنان ليس الخليج.. السياق مختلف جذريًا
أول ما يجب التأكيد عليه هو الاختلاف الجذري بين لبنان ودول الخليج في علاقتها بإسرائيل، من حيث التاريخ، الجغرافيا، والتوازنات السياسية والاجتماعية.
- حدود ملتهبة وصراع مباشر:
لبنان يشارك إسرائيل حدودًا مباشرة، وهو في حالة عداء مستمر معها منذ عقود. فالخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، جوًا وبرًا وبحرًا، أصبحت يومية، في وقت ما زالت فيه أراضٍ لبنانية محتلة مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. - المقاومة كجزء من الهوية السياسية:
بعكس بعض الدول العربية التي لم تخض مواجهات مباشرة مع إسرائيل، فإن لبنان شهد حروبًا مدمّرة (من اجتياح 1982 إلى حرب تموز 2006)، وكان سلاح المقاومة، وعلى رأسه حزب الله، هو العامل الحاسم في صدّ الاحتلال. وبالتالي، فإن فكرة التطبيع مع إسرائيل لا تتعارض فقط مع الحسابات السياسية، بل تمس جوهر الهوية الوطنية لشريحة واسعة من اللبنانيين. - انعدام المصلحة الوطنية:
التطبيع مع إسرائيل لم يُطرح في لبنان كمشروع استراتيجي يحمل فوائد ملموسة. بل على العكس، فإن أي محاولة للمضي في هذا المسار ستؤدي إلى انقسام داخلي خطير، خصوصًا في ظل بيئة طائفية وسياسية هشّة، وقد تُفجّر الساحة اللبنانية من جديد.
لماذا تسعى إسرائيل للتطبيع مع لبنان؟
رغم درايتها بالموانع اللبنانية، فإن إسرائيل تواصل محاولاتها لكسر الجبهة الشمالية العربية، لعدة أسباب:
- كسر آخر معاقل الرفض:
يُعد لبنان واحدًا من آخر الدول التي لم تُطبّع، ما يجعل استمالته إلى هذا المسار إنجازًا رمزيًا ودبلوماسيًا كبيرًا لتل أبيب، يساعد في إضعاف سردية الرفض العربي. - تحييد حزب الله والمقاومة:
التطبيع مع بيروت يعني – في المنظور الإسرائيلي – نزع الشرعية السياسية عن سلاح حزب الله، وتوفير أرضية قانونية ودولية لمحاصرته أو تفكيكه. - الطمع في ثروات لبنان البحرية:
الحدود البحرية اللبنانية تخفي ثروات ضخمة من الغاز والنفط، وإسرائيل تدرك أن الاتفاقات الاقتصادية المستقبلية قد لا تمرّ دون غطاء سياسي تطبيعي.
لبنان يرفض.. لأسباب سيادية وسياسية وأخلاقية
الرفض اللبناني لا ينبع فقط من الاعتبارات العقائدية أو التاريخية، بل من فهم عميق لـكلفة التطبيع على الاستقرار والسيادة والهوية الوطنية. ومن هنا، فإن فرض هذا المسار على بيروت، سواء عبر الضغوط الغربية أو بعض العواصم العربية، يُعد انتهاكًا مباشرًا لقرار لبنان السيادي.
في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، يبدو أن تل أبيب تراهن على الانهيار الداخلي لفرض التطبيع كحل للخروج من العزلة. إلا أن هذا الرهان لا يعكس فهمًا حقيقيًا لتركيبة لبنان المجتمعية، ولا لطبيعة المزاج الشعبي الذي لا يزال يرى في إسرائيل عدوًا تاريخيًا ومباشرًا.
⚖️ السيادة ليست خيارًا قابلًا للمساومة
كما ترفض الدول العربية أي تدخل لبناني في خياراتها السيادية، فإن للبنان الحق الكامل في رفض التطبيع دون أن يُتهم بـ”المشاغبة” أو يُعاقب سياسيًا واقتصاديًا.
فإن كان للتطبيع حساباته في الخليج أو المغرب أو السودان، فإن لبنان يملك خصوصية جغرافية وأمنية ومجتمعية لا تسمح بنسخ نفس النموذج. ومن حقه أن يتمسك بثوابته، بعيدًا عن أي إملاءات أو مساومات.
التطبيع مع لبنان ليس اتفاقًا سياسيًا عابرًا، بل مشروع استراتيجي مرفوض، محكوم عليه بالفشل. فبيروت ليست عاصمة تبحث عن مقعد في “نادي المطبّعين”، بل جبهة مقاومة تملك ذاكرة حية من الحروب والاحتلال، وترفض أن تُستخدم دماء أبنائها جسراً لمصالح العدو.