“أم هارون”: عندما تروج الدراما للتطبيع وتزييف التاريخ

أم هارون وإسرائيل

لو يتوان الاحتلال الإسرائيلي في لعب كل أوراقه للترويج لصورة “دولة” تدعو للسلام والأمن وتؤمن بالعدالة وتدعم الحوار بين مختلف الأديان والثقافات وتنبذ التطرف والعنف، ولم يفتأ يستغلّ أبواقه الرخيصة لتشويه الحقائق التاريخية المرتبطة بالقضية الفلسطينية والترويج للنسخة الإسرائيلية للصّراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي وبالتالي تهيئة الظروف أمام التطبيع الثقافي ومنه إلى الاعتراف بـــ”دولة الاحتلال”.

فهؤلاء رجال أعمال إماراتيون يضخّون الأموال لإنعاش اقتصاد المستوطنات الإسرائيليّة بينما ينهار الإقتصاد الفلسطيني لمستويات قياسية وغير مسبوقة؛ وهؤلاء أشباه فنّانين يغنّون لـ”سلام الجيران”، هذا السلام الذي لن يدوم، لن يحدث ولن يعيش والكيان يستبيح الرّضيع في مهده؛ وهؤلاء أمراء وملوك ورؤساء يتهافتون للتّطبيع مع من أغرق الأرض بدماء الأبرياء واقتلع الزّيتون وارتكب المجازر والمذابح وهجّر الملايين من أصحاب الأرض؛ وهؤلاء “صانعوا محتوى” يروّجون لصورة مبتذلة عن النّكبة الفلسطينية؛ وغيرهم الكثير ممّن باع نفسه وهمّته وخان القضيّة أو للبقاء على عرشه، أو لفرض سيادته، أو ليذكر في الناس ولو باللّعن.

مسلسل أم هارون الذي يدعو للتطبيع

ولعلّ العمل الدّرامي المثير للجدل، الذي عُرض في شهر رمضان الماضي على شاشة MBC السعودية، تحت عنوان “أمّ هارون” أبرز دليل على أولى خطوات العدوان الثّقافي والتّطبيع الفني، إذ يهدف المسلسل الذي أخرجه المخرج المصري محمد جمال العدل وكتبه الأخوان علي ومحمد شمس، إلى إبراز “المظلمة” التي عاشها اليهود، و”التأكيد على أنهم كانوا ضحيّة القمع العربي”، من خلال التركيز على معاناة عائلة يهودية عاشت في الكويت في أربعينيات القرن الماضي، والتشديد على تعرضها للملاحقة لأنها فقط تعتنق الديانة اليهودية.

وأثار المسلسل استياء كبيرا  وموجة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب عرضه لمغالطة تاريخية لا تُغتفر، إذ حرص الأخوان شمس على تبني المصطلحات التي اعتمدتها الحركة الصهيونية في توصيف تاريخ فلسطين لا سيما عند الإشارة إلى “تأسيس دولة إسرائيل” عقب إنهاء الانتداب البريطاني على “أرض إسرائيل” عوضا عن “فلسطين”، في محاولة رخيصة ومبتذلة لطمس الهوية الفلسطينية.

اقرأ أيضًا: زيارة استخباراتية للسودان تكشف عنها إسرائيل وتتجاهلها الخرطوم

ومن بين كلّ المآسي في تاريخنا وكلّ المظالم التي تتعرض لها الأمّة العربية والإسلاميّة وكل الانتهاكات التي ينتهجها الطغاة ضد الشعوب المقموعة المقهورة، لم تجد MBC موضوعا لمسلسل رمضاني سوى “مأساة يهود الكويت” التي تجسّدها “أم هارون” القابلة اليهودية التي قامت بدورها الكويتية حياة الفهد، كأن لم يبق في الوطن العربي والإسلامي من القضايا والبؤس والمحن ما يُسلط الضوء عليه ليهرول المخرج والكاتبان لمغازلة الكيان في محاولة مفضوحة لاختراق عقل المشاهد والتحقير من شأن القضية الفلسطينية. نعم، لا نعرف أمّة غير العرب تكفلت بتحقيق أمنيات أعدائها، وخاضت الحروب عنهم، وأنعشت اقتصاداتهم، ومحت أمجادها بمغالطاتهم، وغارت بأوطانها في جوف الأرض، كي ينعم عدوها بالأمان.

الإعلام الإسرائيلي اهتم بـ «أم هارون»

أ ليس في الوطن العربيّ “أمّ اسماعيل”، المزارعة الفلسطينية التي قتل الاحتلال أبناءها واغتصب بناتها واقتلع زعترها وزيتونها وافتك أرضها ليمنحها لمن أتت على متن سفينة بريطانية؟ أ ليس في الوطن العربي “أم عدن”، المعلمة اليمنية التي قصف محمّد بن سلمان بيتها، والمدرسة التي تعلم الصبيان فيها، والمستشفى الذي تتعالج أمها فيه، فغدت لاجئة في مصر تسكن “القرافة” وتقتات مما تقدمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو الجمعيات الخيرية؟

أ ليس في الوطن العربي “أمّ شام”، الطبيبة السورية المتفانية في عملها والتي أخذ الصراع العالمي في سوريا روحها وشرد أفراد عائلتها، فهذه أمها في مخيم عرسال ــ الذي تتهدده الثلوج والفيضانات مع حلول فضل الشتاء ــ، وهؤلاء إخوتها في ألمانيا وتركيا وكندا، وهذا زوجها في مستشفى للأمراض العقلية من هول ما رأى؟ أ ليس في الوطن العربي “أمّ بغداد”، العالمة في الذرة، المتخرجة من جامعة عريقة، الطامحة للارتقاء ببلادها إلى مصاف القوى الكبرى، والتي اختفت قسريا ثم وجدت جثتها مقطعة منكلا بها من جنود أمريكيين استباحوا الأرض والعرض؟

كفانا تعتيما لقضايانا، وكفانا تطبيعا مع عدونا، وكفانا تفانيا في تدمير بعضنا البعض، وكفانا خيانة لقضايانا، قد آن الأوان لننفض غبار الزمن الطويل عن كبريائنا، قد آن الأوان ليهب إباؤنا من رقاده.

اقرأ أيضًا: نمبر وان في مرمى العاصفة الشعبية الرافضة للتطبيع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى